الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } * { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } * { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

ولما كان قول نعيم بن مسعود أو ركب عبد القيس عند الصحابة رضي الله عنهم صدقاً لا شك فيه لما قام عندهم من القرائن، فكان بمنزلة المتواتر الذي تمالأ عليه الخلائق، وكانت قريش أعلى الناس شجاعة وأوفاهم قوة وأعرقهم أصالة فكانوا كأنهم جميع الناس، كان التعبير - بصيغة في قوله: { الذين قال لهم الناس } أي نعيم أو ركب عبد القيس { إن الناس } يعني قريشاً { قد جمعوا لكم فاخشوهم } أمدح للصحابة رضي الله عنهم من التعبير عمن أخبرهم ومن جمع لهم بخاص اسمه أو وصفه.

ولما كان الموجب لأقدامهم على اللقاء بعد هذا القول الذي لم يشكوا في صدقه ثبات الإيمان وقوة الإيقان قال تعالى: { فزادهم } أي هذا القول { إيماناً } لأنه ما ثناهم عن طاعة الله ورسوله { وقالوا } ازدراء بالخلائق اعتماداً على الخالق { حسبنا } أي كافينا { الله } أي الملك الأعلى في القيام بمصالحنا. ولما كان ذلك هو شأن الوكيل وكان في الوكلاء من يذم قال: { ونعم الوكيل * } أي الموكول إليه المفوض إليه جميع الأمور؛ روى البخاري في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " هذه الكلمة قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم. وقال: كان آخر كلمة قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل ". ولما كان اعتمادهم على الله سبباً لفلاحهم قال { فانقلبوا } أي فكان ذلك سبباً لأنهم انقلبوا، أي من الوجه الذي ذهبوا فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم { بنعمة } وعظمها بإضافتها إلى الاسم الأعظم فقال: { من الله } أي الذي له الكمال كله { وفضل } أي من الدنيا ما طاب لهم من طيب الثناء بصدق الوعد ومضاء العزم وعظيم الفناء والجرأة إلى ما نالوه. عند ربهم حال كونهم { لم يمسسهم سوء } أي من العدو خوفوه ولا غيره { واتبعوا } أي مع ذلك بطاعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغاية جهدهم { رضوان الله } أي الذي له الجلال والجمال فحازوا أعظم فضله { والله } أي الذي لا كفوء له { ذو عظيم * } أي في الدارين على من يرضيه، فستنظرون فوق ما تؤملون، فليبشر المجيب ويغتم ويحزن المتخلف، ولعظم الأمر كرر الاسم الأعظم كثيراً.

ولما جزاهم سبحانه على أمثال ذلك بما وقع لهم من فوزهم بالسلامة والغنيمة بفضل من حاز أوصاف الكمال وتنزه عن كل نقص بما له من رداء الكبرياء والجلال، ورغبهم فيما لديه لتوليهم إياه، أتبع ذلك بما يزيدهم بصيرة من أن المخوف لهم مَن كيده ضعيف وأمره هين خفيف واهٍ سخيف وهو الشيطان، وساق ذلك مساق التعليل لما قبله من حيازتهم للفضل وبعدهم عن السوء بأن وليهم الله وعدوهم الشيطان فقال التفاتاً إليهم بزيادة في تنشيطهم أو تشجيعهم وتثبيتهم: { إنما ذلكم } أي القائل الذي تقدم أنه الناس { الشيطان } أي الطريد البعيد المحترق.

السابقالتالي
2 3