الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } * { أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ }

ولما أخبر تعالى أنه لا يقع في ذلك اليوم ظلم أصلاً تسبب عنه الإنكار على من حدثته نفسه بالأماني الكاذبة، فظن غير ذلك من استواء حال المحسن وغيره، أو فعل فعلاً وقال قولاً يؤدي إلأى ذلك كالمنافقين و كالمقبلين على الغنيمة فقال تعالى: { أفمن اتبع } أي طلب بجد واجتهاد { رضوان الله } أي ذي الجلال والإكرام بالإقبال على ما أمر به الصادق، فصار إلى الجنة ونعم الصبر { كمن بآء } أي رجع من تصرفه الذي يريد به الربح، أو حل وأقام { بسخط من الله } أي من الملك الأعظم بأن فعل ما يقتضي السخط بالمخالفة ثم الإدبار لولا العفو { ومأواه جهنم } أي جزاء بما جعل أسباب السخط مأواه { وبئس المصير * } أي هي.

ولما أفهم الإنكار على من سوّى بين الناس أنهم متمايزون صرح بذلك في قوله: { هم درجات } أي متباينون تباين الدرجات. ولما كان اعتبار التفاوت ليس بما عند الخلق قال: { عند الله } أي الملك الأعلى في حكمه وعلمه وإن خفي ذلك عليكم، لأن الله سبحانه وتعالى خلقهم فهو عالم بهم حين خلقهم { والله } أي الذي له جميع صفات الكمال { بصير } أي بالبصر والعلم { بما يعملون * } أي بعد إيجادهم، لأن ذلك أيضاً خلقه وتقديره، ولس لهم فيه إلا نسبته إليهم بالكسب، فهو يجازيهم بحسب تلك الأعمال، فكيف يتخيل أنه يساوي بينهم في المآل وقد فاوت بينهم في الحال وهو الحكم العدل! فعلم بما في هذا الختام من إحاطته بتفاصيل الأعمال صحة ما ابتدىء به الكلام من التوفية.

ولما أرشدهم إلى هذه المراشد، وبين لهم بعض ما اشتملت عليه من الفوائد، وبان بهذه القصة قدر من أسدى إليهم ذلك على لسانه صلى الله عليه وسلم بما له من الفضائل التي من أعظمها كونه من جنسهم، يميل إليهم ويرحمهم ويعطف عليهم، فيألفونه فيعلمهم؛ نبه على ذلك سبحانه وتعالى ليستمسكوا بغرزه، ولا يلتفتوا لحظة عن لزوم هدية فقال سبحانه وتعالى - مؤكداً لما اقتضاه الحال من فعل يلزم منه النسبة إلى الغلول -: { لقد من الله } أي ذو الجلال والإكرام { على المؤمنين } خصهم لأنهم المجتبون لهذه النعمة { إذا بعث فيهم } أي فيما بينهم أو بسببهم { رسولاً } وزادهم رغبة فيه بقوله: { من أنفسهم } أي نوعاً وصنفاً، يعلمون أمانته وصيانته وشرفه ومعاليه وطهارته قبل النبوة وبعدها { يتلوا عليهم آياته } أي فيمحو ببركة نفس التلاوة كبيراً من شر الجان وغيرها مما ورد في منافع القرآن مما عرفناه، وما لم نعرفه أكثر { ويزكيهم } أي يطهرهم من أوضار الدنيا والأوزار بما يفهمه بفهمه الثاقب من دقائق الإشارات وبواطن العبارات، وقدم التزكية لاقتضاء مقام المعاتبة على الإقبال على الغنيمة ذلك، كما مضى في سورة البقرة { ويعلمهم الكتاب } أي تلاوة بكونه من نوعهم يلذ لهم التلقي منه { والحكمة } تفسيراً وإبانة وتحريراً { وإن } أي والحال أنهم { كانوا } ولما كانوا قد مرت لهم أزمان وهم على دين أبيهم إسماعيل عليه الصلاة والسلام نبه على ذلك بإدخال الجار فقال { من قبل } أي من قبل ذلك { لفي ضلال مبين * } أي ظاهر، وهو من شدة ظهوره كالذي ينادي على نفسه بإيضاح لبسه، وفي ذلك إشارة إلى أنه عليه السلام علمهم من الحكمة في هذه الوقعة ما أوجب نصرتهم في أول النهار، فلما خالفوه حصل الخذلان.

السابقالتالي
2 3