الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } * { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } * { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }

ولما كان الكفرة من أهل الكتاب وغيرهم من العرب بمعرض أن يقولوا حين قيل لهم ذلك: كيف نغلب وما هم فينا إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود؟ قيل لهم: إن كانت قصة آل فرعون لم تنفعكم لجهل أو طول عهد فإنه { قد كان لكم آية } أي عظيمة بدلالة تذكير كان { في فئتين } تثنية فئة ـ للطائفة التي يفيء إليها ـ أي يرجع ـ من يستعظم شيئاً، استناداً إليها حماية بها لقوتها ومنعتها { التقتا } أي في بدر { فئة } أي منهما مؤمنة، لما يرشد إليه قوله: { تقاتل في سبيل الله } أي الملك الأعلى لتكون كلمة الله هي العليا، ومن كان كذلك لم يكن قطعاً إلا مؤمناً { وأخرى } أي منهما { كافرة } أي تقاتل في سبيل الشيطان، فالآية كما ترى من وادي الاحتباك، وهو أن يؤتى بكلامين يحذف من كل منهما شيء إيجازاً، يدل ما ذكر من كل على ما حذف من الآخر، وبعبارة أخرى: هو أن يحذف من كل جملة شيء إيجازاً ويذكر في الجملة الأخرى ما يدل عليه.

ولما نبه سبحانه وتعالى على الاعتبار بذكر الآية نبه على موضعها بقوله: { يرونهم } وضمن يرى البصيرية القاصرة على مفعول واحد فعل الظن، وانتزع منه حالاً ودل عليها بنصب مفعول ثان فصار التقدير: ظانيهم { مثليهم } فعلى قراءة نافع بالتاء الفوقانية يكون المعنى: ترون أيها المخاطبون الكفار المقاتلين للمؤمنين، وعلى قراءة غيره بالغيب المعنى، يرى المسلمون الكفار مثلي المسلمين { رأي العين } أي بالحزر والتخمين، لا بحقيقة العدد، هذا أقل ما يجوزونه فيهم، وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ومع ذلك فجزاهم الله على مصادمتهم ونصرهم عليهم، أو يرى الكفار المسلمين مثلي الكفار مع كونهم على الثلث من عدتهم، كما هو المشهور في الآثار تأييداً من الله سبحانه وتعالى لأوليائه ليرعب الأعداء فينهزموا، أو يرى الكفار المسلمين ضعفي عدد المسلمين ـ قال الحرالي: لتقع الإراءة على صدقهم في موجود الإسلام الظاهر والإيمان الباطن، فكان كل واحد منهم بما هو مسلم ذاتاً، وبما هو مؤمن ذاتاً، فالمؤمن المسلم ضعفان أبداًفإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين } [الأنفال:66] وذلك بما أن الكافر ظاهر لا باطن له فكان ذات عين، لا ذات قلب له، فكان المؤمن ضعفه، فوقعت الإراءة للفئة المؤمنة على ما هي عليه شهادة من الله سبحانه وتعالى بثبات إسلامهم وإيمانهم، وكان ذلك أدنى الإراءة لمزيد موجود الفئة المقاتلة في سبيل الله بمقدار الضعف الذي هو أقل الزيادة الصحيحة، وأما بالحقيقة فإن التام الدين بما هو مسلم مؤمن صاحب يقين إنما هو بالحقيقة عشر تام نظير موجود الوجود الكامل، فهو عشر ذوات بما هو صاحب يقين ودين

السابقالتالي
2 3 4 5 6