الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

ولما كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على طلب الإدالة عليهم ليمثل بهم كما مثلوا بعمه حمزة وعدة من أصحابه رضي الله عنهم قال تعالى: { ليس لك من الأمر } أي فيهم ولا غيرهم { شيء } موسطاً له بين المتعاطفات، يعني من الإدالة عليهم بقتل أو هزيمة تدرك بهما ما تريد، بل الأمر له كله، إن أراد فعل بهم ما تريد، وإن أراد منعك منه بالتوبة عليهم أو إماتتهم على الكفر حتف الأنف فيتولى هو عذابهم، وذلك معنى قوله: { أو يتوب عليهم } أي كلهم بما يكشف عن قلوبهم من حجاب الغفلة فيرجعوا عما هم عليه من الظلم { أو يعذبهم } كلهم بأيديكم بأن تستأصلوهم فلا يفلت منهم أحد، أو يعذبهم هو من غير واسطتكم بما يستدرجهم به مما يوجب إصرارهم حتى يموتوا على الكفر مع النصر عليكم وغيره مما هو لهم في صورة النعم الموجب لزيادة عقابهم. ثم علل الأقسام الأربعة بقوله: { فإنهم ظالمون * } وفي المغازي من صحيح البخاري معلقاً عن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت { ليس لك من الأمر شيء } - إلى قوله: { ظالمون } " ورواه موصولاً في المغازي والتفسير والاعتصام عن سالم عن أبيه بغير هذا اللفظ، وفيه " اللهم العن فلاناً وفلاناً ".

ولما كان التقدير: بل الأمر له سبحانه وحده عطف عليه قوله - مبيناً لقدرته على ما قدم من فعله بهم على وجه أعم -: { ولله } أي الملك الأعظم وحده { ما في السماوات } أي كلها على عظمها من عاقل وغيره، وعبر بـ " ما " لأن غير العاقل أكثر وهي به أجدر { وما في الأرض } كذلك مِلكاً ومُلكاً فهو يفعل في مِلكه ومُلكه ما يشاء، وفي التعبير بـ " ما " أيضاً إشارة إلى أن الكفرة الذين السياق لهم في عداد ما لا يعقل.

ولما كانت الأقسام كلها راجعة إلى قسمين: عافية وعذاب، قال - مترجماً لذلك مقرراً لقوله: { ليس لك من الأمر شيء } [آل عمران: 128]: { يغفر لمن يشاء } أي منهم ومن غيرهم فيعطيه ما يشاء من خيري الدنيا والآخرة ويغنيه عن الربا وغيره { ويعذب من يشاء } بالمنع عما يريد من خيري الدارين، لا اعتراض عليه، فلو عذب الطائع ونعّم العاصي لحسن منه ذلك، ولا يقبح منه شيء، ولا اعتراض بوجه عليه، هذا مدلول الآية وهو لا يقتضي أنه يفعل أو لا يفعل.

ولما كان صلى الله عليه وسلم لشدة غيظه عليهم في الله جديراً بالانتقام منهم بدعاء أو غيره أشار له سبحانه إلى العفو للحث على التخلق بأخلاق الله الذي سبقت رحمته غضبه بقوله: { والله } أي المختص بالجلال والإكرام { غفور رحيم * } أي محاء للذنوب عيناً وأثراً، مكرم بعد ذلك بأنواع الإكرام، فانطبق ذلك على إيضاح { ليس لك } [آل عمران: 128] وإفهامه الموجب لاعتقاد أن يكون له سبحانه وتعالى الأمر وحده.

السابقالتالي
2 3 4