الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

ولما كان ما أخبرت به هذه الجمل من بغضهم وشدة عداوتهم محتاجاً ليصل إلى المشاهدة إلى بيان دل عليه بقوله: { إن تمسسكم } أي مجرد مس { حسنة تسؤهم } ولما كان هذا دليلاً شهودياً ولكنه ليس صريحاً أتبعه الصريح بقوله: { وإن تصبكم } أي بقوة مرها وشدة وقعها وضرها { سيئة يفرحوا بها } ولما كان هذا أمراً مبكتاً غائظاً مؤلماً داواهم بالإشارة إلى النصر مشروطاً بشرط التقوى والصبر فقال: { وإن تصبروا وتتقوا } أي تكونوا من أهل الصبر والتقوى { لا يضركم كيدهم شيئاً } ثم علل ذلك بقوله: { إن الله } أي ذال الجلال والإكرام { بما يعملون محيط * } أي فهو يعد لكل كيد ما يبطله، والمعنى على قراءة الخطاب: بعملكم كله، فمن صبر واتقى ظفرته، ومن عمل على غير ذلك انتقمت منه.

ولما كان ما تضمنته هذه الآية من الإخبار ومن الوعد ومن الوعيد منطوقاً ومفهوماً محتاجاً إلى الاجتلاء في صور الجزئيات ذكرهم سبحانه وتعالى بالوقائع التي شوهدت فيها أحوالهم من النصر عند العمل بمنطوق الوعد من الصبر والتقوى وعدمه عند العمل بالمفهوم، وشوهدت فيها أحوال عدوهم من المساءة عند السرور والسرور عد المساءة، وذلك غني عن دليل لكونه من المشاهدات، مشيراً إلى ذلك بواو العطف على غير مذكور، مخاطباً لأعظم عباده فطنة وأقربهم إليه رتبة، تهييجاً لغيره إلى تدقيق النظر واتباع الدليل من غير أدنى وقوف مع المألوف فقال تعالى: { وإذ } أي اذكر ما يصدق ذلك من أحوالكم الماضية حين صبرتم واتقيتم فنصرتم، وحين ساءهم نصركم في كل ذلك في سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة، ثم في بدر، ثم في غزوة بني قينقاع ونحو ذلك، واذكر إذ لم يصبر أصحابك فأصيبوا، وإذ سرتهم مصيبتكم في وقعة أحد إذ { غدوت } أي يا خاتم الأنبياء وأكرم المرسلين! { من أهلك } أي بالمدينة الشريفة صبيحة يوم الجمعة إلى أصحابك في مسجدك لتستشيرهم في أمر المشركين. وقد نزلوا بأحد في أواخر يوم الأربعاء، أو في يوم الخميس لقتالكم. وبنى من { غدوت } حالاً إعلاماً بأن الشروع في السبب شروع في مسببه فقال: { تبوىء } أي تنزل { المؤمنين } أي صبيحة يوم السبت, وعبر بقوله: { مقاعد } إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم تقدم إلى كل أحد بالثبات في مركزه، وأوعز إليه في أن لا يفعل شيئاً إلا بأمره لا سيما الرماة، ثم ذكر علة ذلك فقال: { للقتال }.

ولما كان التقدير: وتتقدم إليهم بأبلغ مقال في تشديد الأقوال والأفعال، أشار تعالى إلى أنه وقع في غضون ذلك منه ومنهم كلام كثير خفي وجلي بقوله: { والله } أي والحال أن الملك الأعظم الذي أنتم في طاعته { سميع } أي لأقوالكم { عليم * } أي بنياتكم في ذلك وغيره فاحذروه، ولعله خص النبي صلى الله عليه وسلم بلذيذ الخطاب في التذكير تحريضاً لهم مع ما تقدمت الإشارة إليه على المراقبة تعريضاً لهم بأنهم خفوا مع الذين ذكرهم أمر بعاث حتى تواثبوا حين تغاضبوا إلى السلاح - كما ذكر في سبب نزول قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4