الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ } * { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ }

ولما لم يبق بعد هذا إلا خبر الرسل مع لوط عليه الصلاة والسلام، قال عاطفاً على ما تقديره: ثم فارقوه ومضوا إلى المدينة التي فيها لوط عليه السلام، مفهماً بالعدول عن الفاء إلى الواو أن بين المكانين بعداً: { ولما } وأثبت ما صورته صورة الحرف المصدري لما اقتضاه مقصود السورة، وأكثر سياقاتها بين التسليك في مقام الامتحان والاجتهاد في النهي عن المنكر، ولذا ذكر هنا في قصة إبراهيم عليه السلام القتل والإحراق، وأتبعت بشراء بإهلاك القرية الظالمة، فقال: { أن جاءت رسلنا } أي المعظمون بنا { لوطاً } بيانا لأنه { سيء } أي حصلت له المساءة { بهم } أول أوقات مجيئهم إليه وحين قدومهم عليه، فاجأته المساءة من غير ريب لما رأى من حسن أشكالهم، وخاف من تعرض قومه لهم، وهو يظن أنهم من الناس، وذلك أن أن في مثل هذا صلة وإن كان أصلها المصدر لتؤكد وجود الفعلين مرتباً وجود أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين لا فاصل بينهما فإنها وجدا في جزء واحد من الزمان، قال ابن هشام في المغني ما معناه أن علة ذلك أن الزائد يؤكد معنى ما جيء به لتأكيده، ولما تقيد وقوع الفعل الثاني عقيب الأول وترتبه عليه فالحرف الزائد يؤكد ذلك. { وضاق بهم } أي بأعمال الحيلة في الدفع عنهم { ذرعاً } أي ذرعة طاقتهم كما بين وأشبع القول فيه في سورة هود عليه السلام، والأصل في ذلك أن من طالت ذراعه نال ما لا يناله قصيرها، فضرب مثلاً في العجز والقدرة، وذلك أنهم أتوه في صورة مردان ملاح جداً، وقد علم أمر أهل القرية في مثل ذلك ولم يعلم أنهم رسل الله.

ولما كان التقدير: فقالوا له: يا لوط! إنا رسل ربك، فخفض عليك من هذا الضيق الذي نراه بك فإنا ما أرسلنا إلا لإهلاكهم، عطف عليه قوله: { وقالوا } أي لما رأوا ما لقي في أمرهم: { لا تخف } أي من أن يصلوا إلينا أو من أن تهلك أنت أو أحد من أهل طاعتك ولا تحزن أي على أحد ممن نهلكه فإنه ليس في أحد منهم خير يؤسف عليهم بسببه؛ ثم عللوا ذلك بقولهم مبالغين في التأكيد للإغناء به عن جمل طوال، إشارة إلى أن الوقت أرق فهو لا يحتمل التطويل: { إنا منجوك } أي مبالغون في إنجائك { وأهلك } أي ومهلكوا أهل هذه القرية، فلا يقع ضميرك أنهم يصلون إلينا، وقالوا: { إلا امرأتك } تنصيصاً على كل فرد منهم سواها؛ ثم دلوا على هلاكها بقولهم جواباً لمن كأنه قال: ما لها؟ فقيل: { كانت من الغابرين* } أي كأن هذا الحكم في أصل خلقتها.

ولما أفهمت العبارة كما مضى إهلاكهم، صرحوا به فقالوا معينين لنوعه، معللين لما أخبروه به، مؤكدين إعلاماً بأن الأمر قد فرغ منه قطعاً لأن يشفع فيهم، جرياً على عادة الأنبياء في الشفقة على أممهم: { إنا منزلون } أي لا محالة { على أهل هذه القرية رجزاً } أي عذاباً يكون فيه اضطراب شديد يضطرب منه من أصابه كائناً من كان { من السماء } فهو عظيم وقعه، شديد صدعه { بما كانوا } أي كوناً راسخاً { يفسقون* } أي يخرجون في كل وقت من دائرة العقل والحياء.

السابقالتالي
2 3