الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } * { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ }

ولما كان - كما مضى - السياق للابتلاء، خص بالبسط في القص من لم يكن له ناصر من قومه، أو كان غريباً منها، ولذلك أتبع الخليل عليه الصلاة والسلام ابن أخيه الذي أرسله الله إلى أهل سدوم: ناس لا قرابة له فيهم ولا عشيرة، فقال: { ولوطاً } أي أرسلناه، وأشار إلى إسراعه في الامتثال بقوله: { إذ } أي وأرسلناه حين { قال لقومه } أهل سدوم الذين سكن فيهم وصاهرهم وانقطع إليهم فصاروا قومه، حين فارق عمه إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام، منكراً ما رأى من حالهم، وقبيح فعالهم، مؤكداً له إشارة إلى أنه - مع كونه يرونه من أعرف المعارف - جدير بأن ينكر: { إنكم لتأتون الفاحشة } أي المجاوزة للحد في القبح، فكأنها لذلك لا فاحشة غيرها. ثم علل كونها فاحشة استئنافاً بقوله: { ما سبقكم } أو هي حال مبينة لعظيم جرأتهم على المنكر، أي غير مسبوقين { بها } وأعرق في النفي بقوله: { من أحد } وزاد بقوله: { من العالمين* } أي كلهم فضلاً عن خصوص الناس؛ ثم كرر الإنكار تأكيداً لتجاوز قبحها الذي ينكرونه فقال: { أئنكم لتأتون الرجال } إتيان الشهوة، وعطف عليها ما ضموه إليها من المناكر، بياناً لاستحقاق الذم من وجوه، فأوجب حالهم ظن أنهم وصلوا من الخبث إلى حد لا مطمع في الرجوع عنه مع ملازمته لدعائهم من غير ملل ولا ضجر، فقال { وتقطعون السبيل* } أي بأذى الجلابين والمارة.

ولما خص هذين الفسادين، عم دالاً على المجاهرة فقال: { وتأتون في ناديكم } أي المكان الذي تجلسون فيه للتحدث بحيث يسمع بعضكم نداء بعض من مجلس المؤانسة، وهو ناد ما دام القوم فيه، فإذا قاموا عنه لم يسم بذلك { المنكر } أي هذا الجنس، وهو ما تنكره الشرائع والمروءات والعقول، ولا تتحاشون عن شيء منه في المجتمع الذي يتحاشى فيه الإنسان من فعل خلاف الأولى، من غير أن يستحي بعضكم من بعض؛ ودل على عنادهم بقوله مسبباً عن هذه النصائح بالنهي عن تلك الفضائح: { فما كان جواب قومه } أي الذين فيهم قوة ونجدة بحيث يخشى شرهم، ويتقي أذاهم وضرهم، لما أنكر عليهم ما أنكر { إلا أن قالوا } عناداً وجهلاً واستهزاء: { ائتنا بعذاب الله } وعبروا بالاسم الأعظم زيادة في الجرأة. ولما كان الإنكار ملزوماً للوعيد بأمر ضار قالوا: { إن كنت } أي كوناً متمكناً { من الصادقين* } أي في وعيدك وإرسالك، إلهاباً وتهييجاً.

ولما كان كأنه قيل: بم أجابهم؟ قيل: { قال } أي لوط عليه الصلاة والسلام معرضاً عنهم، مقبلاً بكليته على المحسن إليه: { رب } أي أيها المحسن إليّ { انصرني على القوم } أي الذين فيهم من القوة ما لا طاقة لي بهم معه { المفسدين* } بإتيان ما تعلم من القبائح.

السابقالتالي
2