الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } * { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ }

ولما تسبب عن نظره هذا الذي أوصله إلى الكفر بربه أخذه بالعذاب، أشار إلى ذلك سبحانه بقوله: { فخسفنا } أي بما لنا من العظمة { به وبداره } أي وهي على مقدار ما ذكرنا من عظمته بأمواله وزينته، فهي أمر عظيم، تجمع خلقاً كثيراً وأثاثاً عظيماً، لئلا يقول قائل: إن الخسف به كان للرغبة في أخذ أمواله { الأرض } وهو من قوم موسى عليه الصلاة والسلام وقريب منه جداً – على ما نقله أهل الأخبار – فإياكم يا أمة هذا النبي أن تردوا ما آتاكم من الرحمة برسالته فتهلكوا وإن كنتم أقرب الناس إليه فإن الأنبياء كما أنهم لا يوجدون الهدى في قلوب العدى، فكذلك لا يمنعونهم من الردى ولا يشفعون لهم أبداً، إذا تحققوا أنهم من أهل الشقا { فما } أي فتسبب عن ذلك أنه ما { كان له } أي لقارون، وأكد النفي – لما استقر في الأذهان أن الأكابر منصورون – بزيادة الجار في قوله: { من فئة } أي طائفة من الناس يكرون عليه بعد أن هالهم ما دهمه، وأصل الفئة الجماعة من الطير – كأنها سميت بذلك لكثرة رجوعها وسرعته إلى المكان الذي ذهبت منه { ينصرونه }.

ولما كان الله تعالى أعلى من كل شيء قال: { من دون الله } أي الحائز لصفات الكمال، المتردي بالعظمة والجلال، لأن من كان على مثل رأيه هلك، ومن كان من أولياء الله راقب الله في أمره، فلم يسألوا الله فيه، وعلم هو أن الحق لله، وضل عنه - كما في الآية التي قبلها - ما كان يفتري { وما كان } أي هو { من المنتصرين* } لأنفسهم بقوتهم. ولما خسف به فاستبصر الجهال الذين هم كالبهائم لا يرون إلا المحسوسات، عبر عن حالهم بقوله: { وأصبح } أي وصار، ولكنه عبر به لمقابلة الأمس، وإعلاماً بأن ما رأوا من حاله ملأ صدورهم فلم يكن لهم هم سواه { الذين تمنوا } أي أرادوا إرادة عظيمة بغاية الشغف أن يكونوا { مكانه } أي يكون حاله ومنزلته في الدنيا لهم { بالأمس } أي الزمان الماضي القريب وإن لم يكن يلي يومهم الذي هم فيه من قبله { يقولون ويكأن } هذه الكلمة والتي بعدها متصلة بإجماع المصاحف، وعن الكسائي أنه يوقف على الياء من وى، وعن أبي عمرو أنه يوقف على الكاف: ويك، قال الرضي في شرح الحاجبية: وي للتندم أو للتعجب، ثم قال: وهو عند الخليل وسيبويه " وي " للتعجب، ركبت مع " كأن " التي للتشبيه، وقال الفراء: كلمة تعجب ألحق بها كاف الخطاب نحو ويك عنتر أقدم، أي من قوله في قصيدته الميمية المشهورة إحدى المعلقات السبع:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها   قيل الفوارس ويك عنتر أقدم

السابقالتالي
2 3 4 5 6