الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } * { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ }

ولما ذكر أن السماح بما تضن النفوس به من فضول الأموال من أمارات الإيمان، أتبعه أن حزن ما تبذله الألسن من فضول الأقوال من علامات العرفان، فقال: { وإذا سمعوا اللغو } أي ما لا ينفع في دين ولا دنيا من شتم وتكذيب وتعبير ونحوه { أعرضوا عنه } تكرماً عن الخنا { وقالوا } أي وعظاً وتسميعاً لقائله: { لنا } أي خاصة { أعمالنا } لا تثابون على شيء منها ولا تعاقبون { ولكم } أي خاصة { أعمالكم } لا نطالب بشيء منها، فنحن لا نشتغل بالرد عليكم لأن ذمكم لنا لا ينقصنا شيئاً من أجرنا ولا الاشتغال برده ينقصنا.

ولما كان معنى هذا أنهم سالمون منهم، صرحوا لهم به فقالوا: { سلام عليكم } أي منا. ولما جرت العادة بأن مثل هذا يكسر اللاغي، ويرد الباغي، أشاروا لهم إلى قبح حالهم، رداً على ضلالهم، بقولهم تعليلاً لما مضى من مقالهم: { لا نبتغي } أي لا نكلف أنفسنا أن نطلب { الجاهلين* } أي نريد شيئاً من أحوالهم أو أقوالهم، أو غير ذلك من خلالهم.

ولما كان من المعلوم أن نفس النبي صلى الله عليه وسلم - لما جبلت عليه من الخير والمحبة لنفع جميع العباد، لا سيما العرب، لقربهم منه صلى الله عليه وسلم، لاسيما أقربهم منه صلة للرحم تتأثر بسبق أهل الكتاب لقومه، وكان ربما ظن ظان أن عدم هدايتهم لتقصير في دعائه أو إرادته لذلك، وأنه لو أراد هدايتهم وأحبها، وعلق همته العلية بها لاهتدوا، أجيب عن هذا بقوله تعالى في سياق التأكيد إظهاراً لصفة القدرة والكبرياء والعظمة: { إنك لا تهدي من أحببت } أي نفسه أو هدايته بخلق الإيمان في قلبه، وإنما في يدك الهداية التي هي الإرشاد والبيان.

ولما كان ربما ظن من أجل الإخبار بتوصيل القول وتعليله ونحو ذلك من أشباهه أن شيئاً من أفعالهم يخرج عن القدرة، قال نافياً لهذا الظن مشيراً إلى الغلط في اعتقاده بقوله: { ولكن الله } المتردي برداء الجلال والكبرياء والكمال وله الأمر كله { يهدي من يشاء } هدايته بالتوفيق إلى ما يرضيه { وهو } أي وحده { أعلم بالمهتدين* } أي الذين هيأهم لتطلب الهدى عند خلقه لهم، فيكونوا عريقين فيه سواء كانوا من أهل الكتاب أو العرب، أقارب كانوا أو أباعد، روى البخاري في التفسير عن سعيد بن المسيب عن أبيه رضي الله عنه: " قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيره، فقال: أي عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله عز وجل { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } - الآية - "

السابقالتالي
2 3 4 5 6