الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

ولما لم يبق هذا الذي أقامه من دلائل القدرة على كل شيء عموماً، وعلى البعث خصوصاً، مقال، يرد عن الغي إلا التهديد بالنكال، وكان كلامهم هذه موجباً للنبي صلى الله عليه وسلم من الغم والكرب ما لا يعلمه إلا الله تعالى، قال سبحانه ملقناً له ومرشداً لهم في صورة التهديد: { قل سيروا في الأرض } أي أيها المعاندون أو العمي الجاهلون.

ولما كان المراد الاسترشاد للاعتقاد، والرجوع عن الغي والعناد، لكون السياق له، لا مجرد التهديد، قال { فانظروا } بالفاء المقتضية للإسراع، وعظم المأمور بنظره بجعله أهلاً للعناية به، والسؤال عنه، فقال: { كيف كان } أي كوناً هو في غاية المكنة { عاقبة المجرمين* } أي القاطعين لما أمر الله به أن يوصل من الصلاة التي هي الوصلة بين الله وبين عباده، والزكاة التي هي وصلة بين بعض العباد وبعض، لتكذيبهم الرسل الذين هم الهداة إلى ما لا تستقل به العقول، فكذبوا بالآخرة التي ينتج التصديق بها كل هدى، ويورث التكذيب بها كل عمى - كما تقدمت الإشارة إليه في افتتاح السورة، فإنكم إن نظرتم ديارهم، وتأملتم أخبارهم، حق التأمل، أسرع بكم ذلك إلى التصديق فنجوتم وإلا هلكتم، فلم تضروا إلا أنفسكم، وقد تقدم لهذا مزيد بيان في النحل.

ولما دهم النبي صلى الله عليه وسلم من الأسف على جلافتهم في عماهم عن السبيل، الذي هدى إليه الدليل، ما لا يعلمه إلا الله قال: { ولا تحزن عليهم } أي في عدم إيمانهم.

ولما كانوا لا يقتصرون على التكذيب، بل يبغون للمؤمنين الغوائل، وينصبون الحبائل، قال: { ولا تكن } مثبتاً للنون لأنه في سياق الإخبار عن عنادهم واستهزائهم مع كفايته سبحانه وتعالى لمكرهم بما أعد لهم من سوء العذاب في الدارين، فلا مقتضى للتناهي في الإيجاز والإبلاغ في نفي الضيق، فيفهم إثبات النون الرسوخ، فلا يكون منهياً عما لا ينفك عنه العسر مما أشار إليه قوله تعالى { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } وإنما ينهى عن التمادي معه في الذكر بخلاف ما مضى في النحل، فإن السياق هناك للعدل في العقوبة لما وقع من المصيبة في غزوة أحد المقتضى لتعظيم التسلية بالحمل على الصبر، ونفي جميع الضيق ليكون ذلك وازعاً عن مجاوزة الحد، بل حاملاً على العفو { في ضيق } أي في الصدر { مما يمكرون* } فإن الله جاعل تدميرهم في تدبيرهم كطغاة قوم صالح.

ولما أشار إلى أنهم لم يبقوا في المبالغة في التكذيب بالساعة وجهاً، أشار إلى أنهم بالوعيد بالساعة وغيرها من عذاب الله أشد مبالغة، فقال: { ويقولون } بالمضارع المؤذن بالتجدد كل حين للاستمرار: { متى هذا الوعد } وسموه وعداً إظهاراً للمحبة تهكماً به، وهو العذاب والبعث والمجازاة { إن كنتم } أي أنت ومن تابعك، كوناً هو في غاية الرسوخ، كما تزعمون { صادقين* } فأجابهم على هذا الجواب الغص بجواب الواسع القادر الذي لا يعتريه ضيق، ولا تنويه عجلة، مشيراً إلى الاستعداد للدفاع أو الاستسلام لذي الجلال والإكرام، كما فعلت بلقيس رضي الله عنها، فقال مخاطباً الرأس الذي لا يقدر على هذه التؤده حق القدرة غيره: { قل } يا محمد { عسى } أي يمكن { أن يكون } وجدير وخليق بأن يكون { ردف } أي تبع ردفاً حتى صار كالرديف ولحق.

السابقالتالي
2