الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } * { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } * { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ }

ولما ذكّره منة تحمله على الحياء منه، ذكّره ذنباً هو أهل لأن يخاف من عاقبته فقال مهولاً له بالكناية عنه: { وفعلت فعلتك } أي من قتل القطبي، ثم أكد نسبته إلى ذلك مشيراً إلى أنه عامله بالحلم تخجيلاً له فقال: { التي فعلت وأنت } أي والحال أنك { من الكافرين* } أي لنعمتي وحق تربيتي بقتل من ينسب إليّ، أو عده منهم لسكوته عنهم إذا ذاك، لأنه لم يكن قبل الرسالة مأموراً فيهم بشيء، فكان مجاملاً لهم، فكأنه قال: وأنت منا. فما لك الآن تنكر علينا وتنسبنا إلى الكفر؟ { قال } مجيباً له على طريق النشر المشوش، واثقاً بوعد الله بالسلامة مقراً بما دندن عليه من القتل لأنه لم يكن متحققاً لذلك، وما ترك قتله إلا التماساً للبينة: { فعلتها إذاً } أي إذ قتلته { وأنا من الضالين* } أي لا أعرف ديناً، فأنا واقف عن كل وجهة حتى يوجهني ربي إلى ما يشاء - قال ابن جرير: والعرب تضع الضلال موضع الجهل والجهل موضع الضلال - انتهى. وقد تقدم في الفاتحة للحرالي في هذا الكلام نفيس - على أن هذه الفعلة كانت مني خطأ { ففررت } أي فتسبب عن فعلها وتعقبه أني فررت { منكم } أي منك لسطوتك ومن قومك لإغرائهم إياك عليّ { لما خفتكم } على نفسي أن تقتلوني بذلك القتيل الذي قتلته خطأ مع كونه كافراً مهدر الدم { فوهب لي ربي } الذي أحسن إليّ بتربيتي عندكم تحت كنف أمي آمنة مما أحدثتم من الظلم خوفاً مني { حكماً } أي علماً أعمل به عمل الحكام الحكماء { وجعلني من المرسلين* } أي فاجهد الآن جهدك فإني لا أخافك لقتل ولا غيره.

ولما اجتمع في كلام فرعون منّ وتعيير، بدأ بجوابه عن التعيير لأنه الأخير فكان أقرب، ولأنه أهم، ثم عطف عليه جوابه عما منّ به، فقال موبخاً له مبكتاً منكراً عليه غير أنه حذف حرف الإنكار إجمالاً في القول وإحساناً في الخطاب: { وتلك } أي التربية الشنعاء العظيمة في الشناعة التي ذكرتنيها { نعمة تمنها عليّ }.

ولما كان سببها ظلمه لقومه، جعله نفسها فقال مبدلاً منها تنبيهاً على إحباطها، وإعلاماً بأنها - بكونها نقمة - أولى منها في عدها نعمة: { أن عبدت } أي تعبيدك وتذليلك على ذلك الوجه البديع المبعد قومي { بني إسرائيل* } أي جعلتهم عبيداً ظلماً وعدواناً وهو أبناء الأنبياء، ولسلفهم يوسف عليه السلام عليكم من المنة - بإحياء نفوسكم أولاً، وعتق رقابكم ثانياً - ما لا تقدرون له على جزاء أصلاً، ثم ما كفاك ذلك حتى فعلت ما لم يفعله مستعبد، فأمرت بقتل أبنائهم، فكان ذلك سبب وقوعي إليك لأسلم من ظلمك - كما مر بيانه ويأتي إن شاء الله تعالى مستوفى في سورة القصص.

السابقالتالي
2