الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } * { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } * { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } * { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ }

ولما كان الصديق قد لا يكون أهلاً لأن يشفع، قالوا تأسفاً على أقل ما يمكن: { ولا صديق } أي يصدق في ودنا ليفعل ما ينفعنا. ولما كان أصدق الصداقة ما كان من القريب قال: { حميم* } أي قريب، وأصله المصافي الذي يحرقه ما يحرقك، لأنا قاطعنا بذلك كل من له أمر في هذا اليوم؛ وأفرد تعميماً للنفي وإشارة إلى قلته في حد ذاته أو عدمه.

ولما وقعوا في هذا الهلاك، وانتفى عنهم الخلاص، تسبب عنه تمنيهم المحال فقالوا: { فلو أن لنا كرة } أي رجعة إلى الدنيا { فنكون من المؤمنين* } أي الذين صار الإيمان لهم وصفاً لازماً، فأزلفت لهم الجنة.

ولما كان في هذه القصة أعظم زاجر عن الشرك، وآمر بالإيمان، نبه على ذلك بقوله: { إن في ذلك } أي هذا الأمر العظيم الذي قصصته ن قول إبراهيم عليه السلام في إقامة البرهان على إبطال الأوثان، ونصب الدليل على أنه لا حق إلا الملك الجليل الديان، وترغيبه وترهيبه وإرشاده إلى التزود في أيام المهلة { لآية } أي عظيمة على بطلان الباطل وحقوق الحق { وما } أي والحال أنه ما { كان أكثرهم } أي الذين شهدوا منه هذا الأمر العظيم والذين سمعوه عنه { مؤمنين* } أي بحيث صار الإيمان صفة لهم ثابتة، وفي ذلك أعظم تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بأعظم آبائه عليهم الصلاة والسلام { وإن ربك } أي المحسن إليك بإرسالك وهداية الأمة بك { لهو العزيز } أي القادر على إيقاع النقمة بكل من خالفه حين يخالفه { الرحيم* } أي الفاعل فعل الراحم في إمهاله العصاة مع إدرار النعم، ودفع النقم، وإرسال الرسل، ونصب الشرائع، لبيان ما يرضاه ليتبع، وما يسخطه ليتجنب، فلا يهلك إلا بعد إقامة الحجة بإيضاح المحجة.

ولما أتم سبحانه قصة الأب الأعظم الأقرب، أتبعها - دلالة على وصفي العزة والرحمة - قصة الأب الثاني، مقدماً لها على غيرها، لما له من القدم في الزمان، إعلاماً بأن البلاء قديم، ولأنها أدل على صفتي الرحمة والنقمة التي هي أثر العزة بطول الإملاء لهم على طول مدتهم، ثم تعميم النقمة مع كونهم جميع أهل الأرض فقال: { كذبت } بإثبات التاء اختياراً للتأنيث - وأن كان تذكير القوم أشهر - للتنبيه على أن فعلهم أخس الأفعال، أو إلى أنهم مع عتوهم وكثرتهم كانوا عليه سبحانه أهون شيء وأضعفه بحيث جعلهم هباء منثوراً وكذا من بعدهم { قوم نوح } وهو أهل الأرض كلهم من الآدميين قبل اختلاف الأمم بتفرق اللغات { المرسلين* } أي بتكذيبهم نوحاً عليه السلام، لأنه أقام الدليل على نبوته بالمعجزة، ومن كذب بمعجزة واحدة فقد كذب بجميع المعجزات لتساوي أقدامها في الدلالة على صدق الرسول، وقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى عن ذلك فقال: من كذب واحداً من الرسل فقد كذب الكل لأن الآخر جاء بما جاء به الأول - حكاه عنه البغوي.

السابقالتالي
2