الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً } * { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } * { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً }

ولما كانت عادتهم تجويز الممكن من كل ما يحذرون منه من الخلق، اقتضى الحال سؤالهم: هل أعدوا لما هددوا به من الخالق عدة أم لا؟ في سياق الاستفهام عن المفاضلة بينه وبين ما وعده المتقون، تنبيهاً على أنه أعلى رتبة من الممكن فإنه واقع لا محالة، وتهكماً بهم، فقال تعالى: { قل أذلك } أي الأمر العظيم الهول الذي أوعدتموه من السعير الموصوفة.

ولما كانت عادة العرب في بيان فضل الشيء دون غيره الإتيان بصيغة أفعل تنبيهاً على أن سلب الخير عن مقابله لا يخفى على أحد، أو يكون ذلك على طريق التنزل و إرخاء العنان، تنبيهاً للعاقل على أنه يكفيه في الرجوع عن الغي طروق احتمال لكون ما هو عليه مفضولاً قال: { خير أم جنة الخلد } أي الإقامة الدائمة { التي وعد المتقون } أي وقع الوعد الصادق المحتم بها، ممن وعده هو الوعد، للذين خافوا فصدقوا بالساعة جاعلين بينهم وبين أهوالها وقاية مما أمرتهم به الرسل؛ ثم حقق تعالى أمرها تأكيداً للبشارة بقوله: { كانت } أي تكونت ووجدت بإيجاده سبحانه { لهم جزاء } على تصديقهم وأعمالهم { ومصيراً* } أي مستقراً ومنتهى، وذلك مدح لجزائهم لأنه إذا كان في محل واسع طيب كان أهنأ له وألذ كما أن العقاب إذا كان في موضع ضيق شنيع كان أنكى وأوجع، وهو استفهام تقريع وتوبيخ لمن كان يعقل فيجوز الممكنات.

ولما ذكر تعالى نعيمهم بها ذكر، تنعمهم فيها فقال: { لهم فيها } أي الجنة خاصة لا في غيرها { ما يشاؤون } من كل ما تشتهيه أنفسهم { خالدين } لا يبغون عنه حولاً { كان } أي ذلك كله { على ربك } أي المحسن إليك بالإحسان إلى أتباعك { وعداً }.

ولما أشار سبحانه إلى إيجاب ذلك على نفسه العظيمة بالتعبير بـ " على " والوعد، وكان الإنسان لا سيما مجبولاً على عزة النفس، لا يكاد يسمح بأن يسأل فيما لا يحقق حصوله، قال: { مسئولاً* } أي حقيقاً بأن يسأل إنجازه، لأن سائله خليق بأن يجاب سؤاله، وتحقق ظنونه وآماله، فالمعنى أنه إذا انضاف إلى تحتيمه الشيء على نفسه سؤال الموعود به إياه، أنجز لا محالة، وهو من واديأجيب دعوة الداع إذا دعان } [البقرة: 186] وفيه حث عظيم على الدعاء، وترجية كبيرة للإجابة، كما وعد بذلك سبحانه فيأجيب دعوة الداع } [البقرة: 186] وادعوني أستجب لكم } [غافر: 60] وإن لم ير الداعي الإنجاز فإن الأمر على ما رواه الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى المنذري: بأسانيد جيدة - والحاكم وقال: صحيح الإسناد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: أما أن يجعل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر؟ قال: الله أكثر "

السابقالتالي
2 3 4