الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ }

ولما كان الكفار من الكثرة والقوة بمكان، كان الحال جديراً بتأكيد معنى التمكين، جواباً لسؤال من كأنه قال: وهل ذلك ممكن فقال: { لا تحسبن } أي أيها المخاطب { الذين كفروا } أي وإن زادت كثرتهم على العد، وتجاوزت عظمتهم الحد، فإن ذلك الحسبان ضعف عقل، لأن الملك لا يعجزه من تحت قهره، ويجوز أن يكون خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم لزيادة تحقيقه، لأنه على قدر عظمة المخاطب يكون إنجاز الوعد { معجزين } لأهل ودنا { في الأرض } فإنهم مأخوذون لا محالة { ومأواهم } أي مسكنهم ومنزلهم بعد الأخذ { النار }. ولما كانت سكنى الشيء لا تكون إلا بعد الصيرورة إليه قال: { ولبئس المصير* } مصيرها! فكيف إذا كان على وجه السكنى.

ولما كان الملل من شيم النفوس، فكان تدريج الكلام في المقاصد لا سيما الأحكام شيئاً فشيئاً خلال مقاصد أخرى أوقع في القلب، وأشهى إلى الطبع، لا سيما إذا كان على وجوه من المناسبات عجيبة، وضروب من الاتصالات هي مع دقتها غريبة، زين الله تأصيلها بتفصيلها فابتدأ السورة بطائفة منها، وفصلها بدر الوعظ، وجواهر الحكم، والحث على معالي الأخلاق، ومكارم الأعمال، ثم وصلها بالإلهيات التي هي أصولها، وعن علي مقاماتها تفرعت فصولها، فلما ختمها بالتمكين لأهل هذا الدين، وتوهين أمر المعتدين، شرع في إكمالها، بإثبات بقية أحوالها، تأكيداً لما حكم به من التمكين، وما ختمه من ذلك من التوهين، وتحذيراً مما ختمه من العذاب المهين، وتحقيقاً لما ألزم به من الطاعة، ولزوم السنة والجماعة، فقال واصلاً بما ختم به الأحكام الأولى، من الأمر بإنكاح الأيامى، والكف عن إكراه البغايا، إثر الذين لم يظهروا على عورات النساء: { يا أيها الذين آمنوا } أي من الرجال والنساء، إما للتغليب، وإما لأن النساء أولى بحفظ العورة { ليستأذنكم } تصديقاً لدعوى الإيمان { الذين ملكت أيمانكم } من العبيد والإماء البالغين، ومن قاربهم، للدخول عليكم كراهة الاطلاع على عوراتكم والتطرق بذلك إلى مساءتكم { والذين } ظهروا على عورات النساء، ولكنهم { لم يبلغوا الحلم } وقيده بقوله: { منكم } ليخرج الأرقاء والكفار { ثلاث مرّات } في كل دور، ويمكن أن يراد: ثلاث استئذانات في كل مرة، فإن لم يحصل الإذن رجع المستأذن كما تقدم: المرة الأولى من الأوقات الثلاث { من قبل صلاة الفجر } لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ثياب النوم { و } الثانية { حين تضعون ثيابكم } أي التي للخروج بين الناس { من الظهيرة } للقائلة { و } الثالثة { من بعد صلاة العشاء } لأنه وقت الانفصال من ثياب اليقظة، والاتصال بثياب النوم، وخص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة، ووضع الثياب، وأثبت من في الموضعين دلالة على قرب الزمن من الوقت المذكور لضبطه، وأسقطها في الأوسط دلالة على استغراقه لأنه غير منضبط، ثم علل ذلك بقوله: { ثلاث عورات } أي اختلالات في التستر والتحفظ، وأصل العورة - كما قال البيضاوي: الخلل.

السابقالتالي
2 3