الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } * { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } * { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }

ولما أخبر سبحانه وتعالى بعقابهم، وكان من المؤمنين من سمعه فسكت، وفيهم من سمعه فتحدث به متعجباً من قائله، أو مستثبتاً في أمره، ومنهم من كذبه، أتبعه سبحانه بعتابهم، في أسلوب خطابهم، مثنياً على من كذبه، فقال مستأنفاً محرضاً: { لولا } أي هلا ولم لا { إذ سمعتموه } أيها المدعون للإيمان. ولما كان هذا الإفك قد تمالأ عليه رجال ونساء قال: { ظن المؤمنون } أي منكم { والمؤمنات } وكان الأصل: ظننتم، ولكنه التفت إلى الغيبة تنبيهاً على التوبيخ، وصرح بالنساء، ونبه على الوصف المقتضي لحسن الظن تخويفاً للذي ظن السوء من سوء الخاتمة: { بأنفسهم } حقيقة { خيراً } وهم دون من كذب عليها، فقطعوا ببراءتها لأن الإنسان لا يظن بالناس إلا ما هو متصف به أو بإخوانهم، لأن المؤمنين كالجسد الواحد، أو ظنوا ما يظن بالرجل لو خلا بأمه، وبالمرأة إذا خلت بابنها، فإن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين { وقالوا هذا إفك } أي كذب عظيم خلف منكب على وجهه { مبين* } أي واضح في نفسه، موضح لغيره، وبيانه وظهوره أن المرتاب يكاد يقول: خذوني فهو يسعى في التستر جهده، فإتيان صفوان بعائشة رضي الله عنها راكبة على جملة داخلاً به الجيش في نحر الظهيرة والناس كلهم يشاهدون ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ينزل عليه الوحي، إدلالاً بحسن عمله، غافلاً عما يظن به أهل الريب، أدل دليل على البراءة وكذب القاذفين، ولو كان هناك أدنى ريبة لجاء كل منهما وحده على وجه من التستر والذعر، تعرف به خيانته، فالأمور تذاق، ولا يظن الإنسان بالناس إلا ما في نفسه، ولقد عمل أبو أيوب الأنصاري وصاحبته رضي الله عنهما بما أشارت إليه هذه الآية؛ قال ابن اسحاق: حدثني أبي إسحاق بن يسار عن بعض رجال بني النجار أن أبا أيوب خالد بن زيد رضي الله عنه قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال: بلى وذلك كذب، أكنت يا أم أيوب فاعلة؟ قالت لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خير منك. وروى البغوي أنه قال: سبحانك هذا بهتان عظيم، فنزلت الآية على وفق قوله رضي الله عنه. ثم علل سبحانه بيان كذب الآفكين بأن قال موبخاً لمن اختلقه وأذاعه ملقناً لمن ندبه إلى ظن الخير: { لولا } أي هلا ولم لا { جاءو } أي المفترون له أولاً { عليه } إن كانوا صادقين { بأربعة شهداء } كما تقدم أن القذف لا يباح إلا بها.

ولما تسبب عن كونهم لم يأتوا بالشهداء كذبهم قال: { فإذ } أي فحين { لم يأتوا بالشهداء } أي الموصوفين { فأولئك } أي البعداء من الصواب { عند الله } أي في حكم الملك الأعلى، بل وفي هذه الواقعة بخصوصها في علمه { هم الكاذبون* } أي الكذب العظيم ظاهراً وباطناً.

السابقالتالي
2