الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } * { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }

{ قد } وهي نقيضة لما تثبت المتوقع وتقرب الماضي من الحال ولما تنفيه { أفلح } أي فاز وظفر الآن بكل ما يريد، ونال البقاء الدائم في الخير { المؤمنون* } وعبر بالاسم إشارة إلى أن من أقر بالإيمان وعمل بما أمر به في آخر التي قبلها، استحق الوصف الثابت لأنه اتقى وأنفق مما رزق فأفلحومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } [الحشر: 9]؛ ثم قيدهم بما يلزم من الصدق في الإيمان فقال: { الذين هم } أي بضمائرهم وظواهرهم { في صلاتهم } أضيفت إليهم ترغيباً لهم في حفظها، لأنها بينهم وبين الله تعالى، وهو غني عنها، فهم المنتفعون بها { خاشعون* } أي أذلاء ساكنون متواضعون مطمئنون قاصرون بواطنَهم وظواهرهم على ما هم فيه؛ قال الرازي: خائفون خوفاً يملأ القلب حرمة، والأخلاق تهذيباً، والأطراف تأديباً، أي خشية أن ترد عليهم صلاتهم، ومن ذلك خفض البصر إلى موضع السجود، قال الرازي: فالعبد إذا دخل في الصلاة رفع الحجاب، وإذا التفت أرخى، قال: وهو خوف ممزوج بتيقظ واستكانة، ثم قد يكون في المعاملة إيثاراً ومجاملة و إنصافاً ومعدله، وفي الخدمة حضوراً واستكانة. وفي السر تعظيماً وحياء وحرمة، والخشوع في الصلاة بجمع الهمة لها، والإعراض عما سواها، وذلك بحضور القلب والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء، وإذا كان هذا حالهم في الصلاة التي هي أقرب القربات. فهم به فيما سواها أولى. قال ابن كثير: والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقرة عين " وجعلت قرة عيني في الصلاة " رواه أحمد والنسائي عن أنس رضي الله عنه " يا بلال! أرحنا بالصلاة " - رواه أحمد عن رجل من أسلم رضي الله عنه.

ولما كان كل من الصلاة والخشوع صاداً عن اللغو، أتبعه قوله: { والذين هم } بضمائرهم التي تبعها ظواهرهم { عن اللغو } أي ما لا يعنيهم، وهو كل ما يستحق أن يسقط ويلغى { معرضون* } أي تاركون عمداً، فصاروا جامعين فعل ما يعني وترك ما لا يعني.

ولما جمع بين قاعدتي بناء التكاليف: فعل الخشوع وترك اللغو، وكان الإنسان محل العجز ومركز التقصير، فهو لا يكاد يخلو عما لا يعنيه، وكان المال مكفراً لما قصد من الإيمان فضلاً عما ذكر منها على سبيل اللغو، فكان مكفراً للغو في غير اليمين من باب الأولىخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } [التوبة: 103] أتبعه قوله: { والذين هم } وأثبت اللام تقوية لاسم الفاعل فقال: { للزكاة } أي التزكية، وهي إخراج الزكاة، أو لأداء الزكاة التي هي أعظم مصدق للإيمان { فاعلون* } ليجمعوا في طهارة الدين بين القلب والقالب والمال؛ قال ابن كثير: هذه مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب، وأن أصل الزكاة كان واجباً بمكة كما قال تعالى في سورة الأنعام

السابقالتالي
2