الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } * { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } * { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ }

ولما كان ذلك على تقدير تسليمه لا ينفعهم لأن الجزاء بالعذاب على عزمهم على التمادي في العناد على مرّ الآباد، المصدق منهم بالانهماك في الفساد، أجابهم إلى قصدهم في عدهم بعبارة صالحة صادقة على مدة لبثهم طال أو قصر، بقوله على طريق الاستئناف لمن تشوف إلى معرفة جوابهم: { قال } أي الله على قراءة الجماعة، وبينت قراءة حمزة والكسائي أن إسناد القول إليه سبحانه مجاز عن قول بعض عباده العظماء فقال على طريق الأول: { قل } أي لهؤلاء الذين وقع الإعراض عنهم { إن } أي ما { لبثتم } أي في الدنيا { إلا قليلاً } أي هو من القلة بحيث لا يسمى بل هو عدم { لو أنكم كنتم } أي كوناً هو كالجبلة { تعلمون* } أي في عداد من يعلم في ذلك الوقت، لما آثرثم الفاني على الباقي، ولأقبلتم على ما ينفعكم، وتركتم الخلاعة التي لا يرضاها عاقل، ولا يكون على تقدير الرضا بفعلها إلا بعد الفراغ من المهم، ولكنكم كنتم في عداد البهائم، وفي ذلك تنبيه للمؤمنين الذين هم الوارثون على الشكر على ما منحهم من السرور بإهلاك أعدائهم وإيراثهم أرضهم وديارهم، مع إعزازهم والبركة في أعمارهم، بعد إراحتهم منهم في الدنيا، ثم بإدامة سعادتهم في الآخرة وشقاوة أعدائهم.

ولما كان حالهم في ظنهم أن لا بعث، حتى اشتغلوا بالفرح، والبطر و المرح، والاستهزاء بأهل الله، حال من يظن العبث على الله الملك الحق المبين، سبب عن ذلك عطفاً على قوله { فاتخذتموهم سخرياً } إنكاره عليهم في قوله: { أفحسبتم } ويجوز أن يكون معطوفاً على مقدر نحو: أحسبتم أنا نهملكم فلا ننصف مظلومكم من ظالمكم، فحسبتم { أنما خلقناكم } أي على ما لنا من العظمة { عبثاً } أي عابثين أو للعبث منا أو منكم، لا لحكمة إظهار العدل والفضل، حتى اشغلتم بظلم أنفسكم وغيركم؛ قال أبو حيان: والعبث: اللب الخالي عن فائدة. { وأنكم } أي وحسبتم أنكم { إلينا } أي خاصة { لا ترجعون* } بوجه من الوجوه لإظهار القدرة والعظمة في الفصل، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره وأبو يعلى الموصلي في الجزء الرابع والعشرين من مسنده والبغوي في تفسيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رقى رجلاً مصاباً بهذه الآية إلى آخر السورة في أذنيه فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده! لو أن رجلاً موقناً قرأ بها على جبل لزال " وفي سندهما ابن لهيعة. قال ابن كثير: وروى أبو نعيم عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث عن أبيه رضي الله عنه، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وأمرنا أن نقول إذا أمسينا وأصبحنا { أفحسبتم } - الآية، قال: فقرأناها فغنمنا وسلمنا.

السابقالتالي
2 3