الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }

ولما قدم سبحانه الحث على التقرب بالأنعام كلها، وكانت الإبل أعظمها خلقاً، وأجلها في أنفسهم أمراً، خصها بالذكر في سياق تكون فيه مذكورة مرتين معبراً بالاسم الدال على عظمها، أو أنه خصها لأنه خص العرب بها دون الأمم الماضية، فقال عاطفاً على قوله { جعلنا منسكاً } أو يكون التقدير والله أعلم: فأشركناكم مع الأمم الماضية في البقر والغنم { والبدن } أي الإبل أي المعروفة بعظم الأبدان - { جعلناها } أي بعظمتنا، وزاد في التذكير بالعظمة بذكر الاسم العلم فقال: { لكم من شعائر الله } أي أعلام دين الملك الأعظم ومناسكه التي شرعها لكم وشرع فيها الإشعار، وهو أن يطعن بحديدة في سنامها، تمييزاً لما يكون منها هدياً عن غيره.

ولما نبه على ما فيها من النفع الديني، نبه على ما هو أعم منه فقال: { لكم فيها خير } بالتسخير الذي هو من منافع الدنيا، والتقريب الذي هو من منافع الآخرة؛ روى الترميذي وحسنه وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله علية وسلم قال: " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من هراقة الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً " والدارقطني في السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد "

ولما ذكر ما فيها، سبب عنه الشكر فقال: { فاذكروا اسم الله } أي الذي لا سمي له { عليها } أي على ذبحها بالتكبير، حال كونها { صواف } قياماً معقلة الأيدي اليسرى، فلولا تعظيمه بامتثال شرائعه، ما شرع لكم ذبحها وسلطكم عليها مع أنها أعظم منكم جرماً وأقوى { فإذا وجبت جنوبها } أي سقطت سقوطاً بردت به بزوال أرواحها فلا حركة لها أصلاً، قال ابن كثير وقد جاء في حديث مرفوع " ولا تعجلوا النفس أن تزهق " وقد وراه الثوري في جامعه عن أيوب عن يحيى بن أبي كثير عن فرافصة الحنفي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ذلك.

ولما كان ربما ظن أنه يحرم الأكل ممنها للأمر بتقريبها لله تعالى، قال نافياً لذلك: { فكلوا منها } إذا كانت تطوعاً إن شئتم الأكل، فإن ذلك لا يخرجها عن كونها قرباناً { وأطعموا القانع } أي المتعرض للسؤال بخضوع وانكسار { والمعتر } أي السائل، وقيل: بالعكس، وهو قول الشافعي رحمه الله، قال في كتاب اختلاف الحديث: والقانع هو السائل، والمعتر هو الزائر والمار، قال الرازي في اللوامع: وأصله في اللغة أن القاف والنون والعين تدل على الإقبال على الشيء، ثم تختلف معانيه مع اتفاق القياس، فالقانع: السائل، لإقباله على من يساله، والقانع: الراضي الذي لا يسأل، كأنه مقبل على الشيء الذي هو راض به.

السابقالتالي
2 3