الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

ولما ذكر ما لأحد الخصمين وهم الكافرون، أتبعه ما للآخر وهم المؤمنون، وغير السياق بالتأكيد لمن كأنه سأل عنه، معظماً له بإثبات الاسم العلم الجامع إيذاناً بالاهتمام فقال: { إن الله } أي الذي له الأمر كله { يدخل الذين آمنوا } عبر في الإيمان بالماضي ترغيباً في المبادرة إلى إيقاعه { وعملوا الصالحات } تصديقاً لإيمانهم، وعبر بالماضي إشارة إلى أن من عمل الصالح انكشف له ما كان محجوباً عنه من حسنه فأحبه ولم ينفك عنه { جنات تجري } أي دائماً { من تحتها الأنهار } أي المياه الواسعة، أينما أردت من أرضها جرى لك نهر في مقابلة ما يجري من فوق رؤوس أهل النار { يحلون فيها } في مقابلة ما يزال من بواطن الكفرة وظواهرهم { من أساور }.

ولما كان مقصودها الحث على التقوى المعلية إلى الإنعام بالفضل، شوّق إليه بأغلى ما نعرف من الحلية فقال: { من ذهب ولؤلؤاً } وقراءة نافع وعاصم بنصبه دليل على عطفه بالجر على " أساور " { ولباسهم فيها حرير* } في مقابلة ثياب الكفار كما كان لباس الكفار في الدنيا حريراً، ولباس المؤمنين دون ذلك، وقد رود في الصححين عن عبد الله بن الزبير عن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه السلام قال: " لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " قال ابن كثير: قال عبد الله بن الزبير " ومن لم يلبس الحرير في الآخرة لم يدخل الجنة " قال تعالى: { ولباسهم فيها حرير } انتهى " وذلك أن في الصحيحين وغيرهما عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله قال: " إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة " " فيوشك لتشبهه بالكفار في لباسهم - أن يلحقه الله بهم فلا يموت مسلماً - والله الهادي { وهدوا } أي بأسهل أمر بهداية الله أعم من أن يكون السبب القريب لذلك العقل وحده أو مع الرسول أو الكتاب أو غير ذلك وهو حال من { الذين آمنوا } ، وما بعدها ختم به لئلا يطول الفصل بين الفعل ومفعوله ولتكون محاسنهم محيطة بذكر دخولهم الجنة إشارة إلى دوامها { إلى الطيب من القول } فلم يزالوا في حال حسن { وهدوا } وبنى الفعل أيضاً للمفعول إشارة إلى سهولة الهداية لهم وللأتقياء منهم، ولذلك لم يذكر العزة، واكتفى بذكر الحمد فقيل: { إلى صراط الحميد* } الذي وفقهم لسلوك ما يحمدون عليه فيحمدون عاقبة، فكان فعلهم حسناً كما كان قولهم حسناً، فدخلوا الجنة التي هي أشرف دار عند خير جار وحلوا فيها أشرف الحلي كما تحلوا في الدنيا بأشرف. الطرائق، هذا بعد أن حازوا أشرف الذكر في الدنيا عكس حال الكفار في اقتراف ما أدخلهم ما كلما أرادوا الخروج منه اعيدوا فيه، مع ما نالهم من سوء الذكر، بإقبالهم كالبهائم على الفاني مع خسته لحضوره، وإعراضهم عن الباقي مع شرفه لغيابه.

السابقالتالي
2