الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } * { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } * { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } * { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ }

ولما ذكر التسخير بالتسبيح، أشار إلى تسخير الحديد الذي هو أقوى تراب الجبال وأصلبه وأصفاه فقال: { وعلمناه } أي بعظمتنا { صنعة لبوس } قال البغوي: وهو في اللغة اسم لكل ما يلبس ويستعمل في الأسلحة كلها، وهو كالجلوس والركوب. { لكم } أي لتلبسوه في حربكم، وألنا له في عمله الحديد ليجتمع له إلى العلم سهولة العمل فيأتي كما يريد { لتحصنكم } أي اللبوس أو داود أو الله على قراءة الجماعة في حصن مانع، وهو معنى قراءة النون الدال على مقام العظمة عند أبي بكر عن عاصم ورويس عن يعقوب، وقراءة أبي جعفر وابن عامر وحفص بالفوقانية للدروع نظراً إلى الجنس { من بأسكم } الكائن مما يحصل من بعضكم لبعض من شدائد الحرب لا من البأس كله { فهل أنتم شاكرون* } لنا على ذلك لتوحدنا وتؤمنوا بأنبيائنا؛ قال البغوي: قال قتادة: أول من صنع الدروع وسردها وحلقها داود عليه السلام، وكانت من قبل صفائح، والدرع يجمع الخفة والحصانة.

ولما كان قد سخر لابنه سليمان عليه السلام الريح التي هي أقوى من بقية العناصر قال: { ولسليمان } معبراً باللام لأنها كانت تحت أمره لنفعه ولا إبهام في العبارة { الريح } قال البغوي: وهي جسم لطيف يمتنع بلطفه من القبض عليه، ويظهر للحس بحركته، وكان سليمان عليه السلام يأمر بالخشب فيضرب له، فإذا حمل عليه ما يريد من الدواب، الناس وآلة الحرب أمر العاصفة فدخلت تحت الخشب فاحتملته حتى إذا استقلت به أمر الرخاء تمر به شهراً في غدوته وشهراً في روحته - انتهى ملخصاً. فكان الريحان مسخرتين له، ولكن لما كان السياق هنا لبيان الإقدار على الأفعال الغريبة الهائلة، قال: { عاصفة } أي شديدة الهبوب، هذا باعتبار عملها، ووصفت بالرخاء باعتبار لطفها بهم فلا يجدون لها مشقة { تجري بأمره } إذا أمرها غادية ورائحة ذاهبة إلى حيث أراد وعائدة على حسب ما يريد، آية في آية.

ولما كان قد علم مما مضى من القرآن لحامله المعتني بتفهم معانيه، ومعرفة أخبار من ذكر فيه، أنه من بني إسرائيل، وأن قراره بالأرض المقدسة فكان من المعلوم أنه يجريها إلى غيره، وكان الحامل إلى مكان ربما تعذر عوده مع المحمول، عبر بحرف الغاية ذاكراً محل القرار دلالة على أنها كما تحمله ذهاباً إلى حيث أراد من قاص ودان - تحمله إلى قراره أياماً فقال: { إلى الأرض التي باركنا } أي بعزتنا { فيها } وهي الشام { وكنا } أي أزلاً وأبداً بإحاطة العظمة { بكل شي } من هذا وغيره من أمره وغيره { عالمين* } فكنا على كل شيء قادرين، فلولا رضانا به لغيرناه عليه كما غيرنا على من قدمنا أمورهم، وهذا من طراز { قل ربي يعلم القول } كما مضى، وتسخير الريح له كما سخرت للنبي صلى الله عليه وسلم ليالي الأحزاب، قال حذيفة رضي الله عنه: حتى كانت تقذفهم بالحجارة، ما تجاوز عسكرهم فهزمهم الله بها وردوا بغيظهم لم ينالوا خيراً.

السابقالتالي
2 3 4 5