الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ } * { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } * { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } * { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } * { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ }

ولما كان إحضاره معلوماً أنهم لا يتأخرون عنه، استأنف أخباره لما يقع التشوف له فقال: { قالوا } منكرين عليه مقررين، له بعد حضوره على تلك الهيئة: { ءأنت فعلت هذا } الفعل الفاحش { بآلهتنا يا إبراهيم * قال } متهكماً لهم وملزماً بالحجة: { بل فعله كبيرهم } غيره من أن يعبد معه من هو دونه، وهذا على طريق إلزام الحجة؛ وتقييده بقوله: { هذا } إشارة إلى الذي تركه بغير كسر يدل على أنه كان فيهم كبير غيره. وكذا التنكير فيما مضى من قوله { إلا كبيراً لهم } وهذا - مع كونه تهكماً بهم وكناية عن أنهم لا عقل لهم لعبادتهم من يعلمون أنه لا يقدر على فعل ما - تنبيه على قباحة الشرك، وأنه لا يرضى به إله بل يهلك من عبد غيره وكل ما عبد من دونه إن كان قادراً، غيره على مقامه العظيم، ومنصبه الجسيم.

ولما أخبر بذلك، ولم يكن أحد رآه حتى يشهد على فعله، وكانوا قد أحلوهم بعبادتهم ووضع الطعم لهم محل من بعقل، سبب عنه أمرهم بسؤالهم فقال: { فاسألوهم } أي عن الفاعل ليخبروكم به { إن كانوا ينطقون* } على زعمكم أنهم آلهة يضرون وينفعون، فإن قدروا على النطق أمكنت منهم القدرة وإلا فلا، أما سؤال الصحيح فواضح، وأما غيره فكما يسأل الناس من جرح أو قطعت يده أو رجله أو ضرب وسطه وبقيت فيه بقية من رمق، وإسناده الفعل ما لا يصح إسناده إليه وأمره بسؤاله بعد الإضراب عن فعله متضمن لأنه هو الفاعل.

ولما كان روح الكلام إقراره بالفعل وجعلهم موضع الهزء لأنهم عبدوا ما لا قدرة له على دفاع أصلاً تسبب عنه قوله تعالى الدال على خزيهم: { فرجعوا } أي الكفرة { إلى أنفسهم } بمعنى أنهم فكروا فيما قال فاضطرهم الدليل إلى أن تحققوا أنهم على محض الباطل وأن هذه الشرطية الممكنة عقلاً غير ممكنة عادة { فقالوا } يخاطب بعضهم بعضاً مؤكدين لأن حالهم يقتضي إنكارهم لظلمهم: { إنكم أنتم } خاصة { الظالمون* } لكونكم وضعتم العبادة في غير موضعها، لا إبراهيم فإنه أصاب في إهانتهم سواء المحزّ ووافق عين الغرض، وفي أنكم بعد أن عبدتموها ولا قدرة لها تركتموها بلا حافظ.

ولما كان رجوعهم إلى الضلال بعد هذا الإقرار الصحيح الصريح في غاية البعد، عبر بأداته مشيراً إلى ذلك فقال: { ثم نكسوا } أي انقلبوا في الحال غير مستحيين مما يلزمهم من الإقرار بالسفه حتى كأنهم قلبهم قالب لم يمكنهم دفعه { على رءوسهم } فصار أعلاهم أسفلهم برجوعهم عن الحق إلى الباطل، من قولهم: نكس المريض - إذا رجع إلى حاله الأول، قائلين في مجادلته عن شركائهم: { لقد علمت } يا إبراهيم! { ما هؤلاء } لا صحيحهم ولا جريحهم { ينطقون* } فكانوا بما فاهوا به ظانين أنه ينفعهم، ممكنين لإبراهيم عليه السلام من جلائل المقاتل.

السابقالتالي
2 3 4