الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } * { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } * { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }

ولما تبين الخلف في قولهم على كثرته وادعائهم الحكمة والبلاغة، وفعلهم على كثرتهم وزعمهم القوة والشجاعة، ثبت أن أقواله الناقضة لذلك من عند الله بما ثبت من استقامة معانيها وإحكامها، بعدما اتضح من إعجاز نظومها وحسن التئامها، فأمره أن يبين لهم ذلك بقوله: { قل إنما أنذركم } أيها الكفار { بالوحي } أي الآتي به الملك عن الله فلا قدح في شيء من نظمه ولا معناه والحال أنكم لا تسمعون - على قراءة الجماعة والحال أنك لا تسمعهم - على قراءة ابن عامر بضم الفوقانية وكسر الميم ونصب الصم خاصة، ولكنهم لما كانوا لا ينتفعون بإنذاره لتصامّهم وجعلهم أصابعهم في آذانهم وقت الإنذار عدهم صماً، وأظهر الوصف لتعليق الحكم به فقال: { ولا يسمع الصم الدعاء } أي ممن يدعوهم، أو يكون معطوفاً على ما تقديره: فإن كانت أسماعكم صحيحة سمعتم فأجبتم، ونبه بقوله: { إذا ما ينذرون* } على أن المانع لهم مع الصمم كراهة الإنذار، وبالبناء للمفعول على منذر.

ولما كان المنذر لا يترك الاستعداد لما ينذر به من العذاب إلا إذا كان قوياً على دفعه. بيّن أنهم على غير ذلك فقال: { ولئن } أي لا يسمعون والحال أنه لا قوة بهم، بل إن { مستهم } أي لاقتهم أدنى ملاقاة { نفحة } أي رائحة يسيرة مرة من المرات { من عذاب ربك } المحسن إليك بنصرك عليهم { ليقولن } وقد أذهلهم أمرها عن نخوتهم. وشغلهم قدرها عن كبرهم وحميتهم: { يا ويلنا } الذي لا نرى الآن بحضرتنا غيره { إنا كنا } أي بما لنا مما هو في ثباته كالجبلات { ظالمين* } أي عريقين في الظلم في إعراضنا وتصامّنا ترفقاً وتذللاً لعله يكف عنهم.

ولما بيّن ما افتتحت السورة من اقتراب الساعة بالقدرة عليه واقتضاء الحكمة له، وأن كل أحد ميت لا يستطيع شيئاً من الدفع عن نفسه فضلاً عن غيره، وختمت الآيات بإقرار الظالم بظلمه، وكانت عادة كثير من الناس الجور عند القدرة، بين أنه سبحانه بخلاف ذلك فذكر بعض ما يفعل في حساب الساعة من العدل فقال عاطفاً على قوله { بل تأتيهم بغتة }: { ونضع } فأبرزه في مظهر العظمة إشارة إلى هوانه عنده وإن كان لكثرة الخلائق وأعمال كل منهم متعذراً عندنا { الموازين } المتعددة لتعدد الموزونات أو أنواعها. ولما كانت الموازين آلة العدل، وصفها به مبالغة فقال { القسط } أي العدل المميز للأقسام على السوية.

ولما كان الجزاء علة في وضع المقادير، عبر باللام ليشمل - مع ما يوضع فيه - ما وضع الآن لأجل الدنيوية فيه فقال: { ليوم القيامة } الذي أنتم عنه - لإعراضكم عن الذكر - غافلون. ولما جرت العادة بأن الملك قد يكون عادلاً فظلم بعض أتباعه، بين أن عظمته في إحاطة علمه وقدرته تأبى ذلك، فبنى الفعل للمجهول فقال: { فلا } أي فتسبب عن هذا الوضع أنه لا { تظلم } أي من ظالم ما { نفس شيئاً } من عملها { وإن كان } أي العمل { مثقال حبة } هذا على قراءة الجماعة بالنصب.

السابقالتالي
2 3