الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } * { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ }

ولما كان التقدير حاق بهم هذا باستهزائهم بك، تبعه ما يدل على أن الرسل في ذلك شرع واحد، تسلية له صلى الله عليه وسلم وتأسية، فقال عاطفاً على { وإذا رءاك }: { ولقد } مؤكداً له لمزيد التسلية بمساواة إخوانه من الرسل وبتعذيب أعدائه. ولما كان المخوف نفس الاستهزاء لا كونه من معين، بني للمفعول قوله: { استهزئ برسل } أي كثيرين.

ولما كان معنى التنكير عدم الاستغراق، أكده بالخافض فقال: { من قبلك فحاق } أي فأحاط { بالذين سخروا منهم } لكفرهم { ما كانوا } بما هو لهم كالجبلة { به يستهزءون* } من الوعود الصادقة كبعض من سألوه الإتيان بمثل آياتهم كقوم نوح ومن بعدهم.

ولما هددهم بما مضى مما قام الدليل على قدرته عليه، وختمه - لوقوفهم مع المحسوسات - بما وقع لمن قبلهم، وكان الأمان عن مثل ذلك لا يكون إلا بشيء يوثق به، أمره أن يسألهم عن ذلك بقوله: { قل من يكلؤكم } أي يحفظكم ويؤخركم ويكثر رزقكم، وهو استفهام توبيخ.

ولما استوى بالنسبة إلى قدرته حذرهم وغفلتهم، قال: { بالّيل } أي وأنتم نائمون. ولما كانت مدافعة عذابه سبحانه غير ممكنة لنائم ولا يقظان قال: { والنهار } أي وأنتم مستيقظون. ولما كان لا منعم بكلاية ولا غيرها سواه سبحانه، ذكرهم بذلك بصفة الرحمة فقال: { من الرحمن } الذي لا نعمة بحراسة ولا غيرها إلا منه حتى أمنتم مكره ولو بقطع إحسانه، فكيف إذا ضربتم بسوط جبروته وسطوة قهرة وعظموته.

ولما كان الجواب قطعاً: ليس لهم من يكلؤهم منه وهو معنى الاستفهام الإنكاري، قال مضرباً عنه: { بل هم } أي في أمنهم من سطواته { عن ذكر ربهم } الذي لا يحسن إليهم غيره { معرضون* } فهم لا يذكرون أصلاً فضلاً عن أن يخشوا بأسه وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان.

ولما أرشد السياق إلى أن التقدير: أصحيح هذا الذي أشرنا إليه من أنه لا مانع لهم منا، عادله بقوله إنكاراً عليهم: { أم لهم ءالهة } موصوفة بأنها { تمنعهم } نوبَ الدهر. ولما كانت جميع الرتب تحت رتبته سبحانه، أثبت حرف الابتداء فقال محقراً لهم: { من دوننا } أي من مكروه هو تحت إرادتنا ومن جهة غير جهتنا.

ولما كان الجواب قطعاً: ليس لهم ذلك، وهو بمعنى الاستفهام، استأنف الإخبار بما يؤيد هذا الجواب، ويجوز أن يكون تعليلاً، فقال: { لا يستطيعون } أي الآلهة التي يزعمون أنها تنفعهم، أو هم - لأنهم لا مانع لهم من دوننا - { نصر أنفسهم } من دون إرادتنا فكيف بغيرهم، أو يكون ذلك صفة الآلهة على طريق التهكم { ولا هم } أي الكفار أو الآلهة { منا } أي بما لنا من العظمة { يصحبون* } بوجه من وجوه الصحبة حتى يصير لهم استطاعة بنا، فانسدت عليهم أبواب الاستطاعة أصلاً ورأساً.

السابقالتالي
2