الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } * { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } * { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } * { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } * { قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } * { قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } * { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ }

ولما كان فرعون في غاية الجبروت، وكان حاله حال من يهلكهما إلا أن يمنعهما الله، وأراد علم ما يكون من ذلك { قالا ربنا } أي أيها المحسن إلينا. ولما كان مضمون إخبارهما بالخوف مع كونهما من جهة الله - من شأنه أن لا يكون وأن ينكر، أكد فقالا مبالغين فيه بإظهار النون الثالثة إبلاغاً في إظهار الشكوى ليأتي الجبر على قدر ما يظهر من الكسر: { إننا نخاف } لما هو فيه من المكنة { أن يفرط } أي يجعل { علينا } بالعقوبة قبل إتمام البلاغ عجلة من يطفر ويثب إلى الشيء { أو أن يطغى* } فيتجاوز إلى أعظم مما هو فيه من الاستكبار { قال لا تخافا } ثم علل ذلك بما هو مناط النصرة والحيطة للولي والإهلاك للعدو، فقال مؤكداً إشارة إلى عظم الخبر، وتنبيهاً لمضمونه لأنه خارج عن العوائد، وأثبت النون الثالثة على وزان تأكيدهما: { إنني معكما } لا أغيب كما تغيب الملوك إذا أرسلوا رسلهم { أسمع وأرى* } أي لي هاتان الصفتان، لا يخفى عليَّ شيء من حال رسولي ولا حال عدوه، وأنتما تعلمان من قدرتي ما لا يعلمه غيركما.

ولما تمهد ذلك، تسبب عنه تعليمهما ما يقولان، فقال مؤكداً للذهاب أيضاً لما مضى: { فأتياه فقولا } أي له؛ ولما كان فرعون ينكر ما تضمنه قولهما، أكد سبحانه فقال: { إنا } ولما كان التنبيه على معنى المؤازرة هنا - كما تقدم مطلوباً، ثنى فقال: { رسولا ربك } الذي رباك فأحسن تربيتك بعد أن أوجدك من العدم، إشارة إلى تحقيره بأنه من جملة عبيد مرسلهما تكذيباً له في ادعائه الربوبية، ثم سبب عن إرسالكما إليه قولكما: { فأرسل معنا } عبيده { بني إسرائيل } ليعبدوه، فإنه لا يستحق العبادة غيره { ولا تعذبهم } بما تعذبهم به من الاستخدام والتذبيح؛ ثم علل دعوى الرسالة بما يثبتها، فقال مفتتحاً بالحرف التوقع لأن حال السامع لادعاء الرسالة أن يتوقع دلالة على الإرسال: { قد جئناك بآية } أي علامة عظيمة وحجة وبرهان { من ربك } الذي لا إحسان عليك إلا منه، موجبة لقبول ما ادعيناه من العصا واليد وغيرهما، فأسلم تسلم، وفي تكرير مخاطبته بذلك تأكيد لتبكيته في ادعاء الربوبية، ونسبته إلى كفران الإحسان، فسلام عليك خاصة إن قبلت هدى الله { والسلام } أي جنسه { على } جميع { من اتبع } بغاية جهده { الهدى* } عامة، وإذا كان هذا الجنس عليهم كان من المعلوم أن العطب على غيرهم، فالمعنى: وإن أبيت عذبت { إنا } أي لأنا { قد أوحي إلينا } من ربنا { أن العذاب } أي كله، لأن اللام للاستغراق أو الماهية، وعلى التقديرين يقتضي قدر ثبوت هذا الجنس ودوامه لما تفهمه الاسمية { على } كل { من كذب وتولى* } أي أوقع التكذيب والإعراض، وذلك يقتضي أنه إن كان منه شيء على مصدق منقضياً، وإذا انقضى كان كأن لم يوجد، وفي صرف الكلام عنه تنبيه على أنه ضال مكذب وتعليم للأدب.

السابقالتالي
2 3 4