الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }

ثم شرع سبحانه يقيم الدليل على أنهم ممن أحاطت به خطيئته فقال: { وإذ } أي اذكروا ما تعلمون في كتابكم من حال من كسب سيئة محيطة واذكروا إذ { أخذنا } بما لنا من تلك العظمة التي أشهدناكم كثيراً منها ميثاقكم ولكنه أظهر لطول الفصل بذكر وصف يعمهم وغيرهم فقال: { ميثاق بني إسرائيل } ويجوز أن يكون معطوفاً على { نعمتي } في قوله تعالى: { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } لأن الكل في مخاطبتهم وبيان أمورهم.

ولما كان الدين إنما هو الأدب مع الخالق والخلق ذكر المعاهد عليه من ذلك مرتباً له على الأحق فالأحق فقال ذاكراً له في صيغة الخبر مريداً به النهي والأمر وهو أبلغ من حيث إنه كأنه وقع امتثاله ومضى ودل على إرادة ذلك بعطف { وقولوا } عليه: { لا تعبدون إلا الله } المنعم الأول الذي له الأمر كله لتكونوا محسنين بذلك إحساناً هو الإحسان كله { و } أحسنوا أو تحسنون { بالوالدين } ولو كانا كافرين. قال الحرالي: تثنية والد من الولادة لاستبقاء ما يتوقع ذهابه بظهور صورة منه تخلف صورة نوعه - انتهى { إحساناً } عظيماً لا يبلغ كنهه، لكونهما في الرتبة الثانية لجعلهما سبحانه السبب في نعمة الإيجاد الأول والمباشرين للتربية، وغيّر السياق فلم يقل: ولا تحسنون إلا إلى الوالدين، إفهاماً لأن الإحسان إليهما يشركهما فيه من بعدهما، لو جبر فوات هذا الحصر بتقديمهما إيذاناً بالاهتمام { وذي القربى } وهم المتوسلون بالوالدين لما لهم من أكيد الوصلة { واليتامى } لضعفهم، واليُتم قال الحرالي: فقد الأب حين الحاجة، ولذلك أثبته مثبت في الذكر إلى البلوغ، وفي البنت إلى الثيوبة لبقاء حاجتها بعد البلوغ، والقربى فعلى من القرابة وهو قرب في النسب الظاهر أو الباطن - انتهى { المساكين } لكسرهم.

ولما لم يكن وسع الناس عامة بالإحسان بالفعل ممكناً أمر بجعل ذلك بالقول فقال عطفاً على الخبر الذي معناه الإنشاء: { وقولوا للناس } عامة { حسناً } أي حَسَناً بالتحريك وهو لغة فيه كالبُخْل والبَخَل، وذلك بأن يأمروهم بما أمر الله به وينهوهم عما نهى عنه. ولما أمرهم بما إن امتثلوه اجتمعت كلمتهم ذكر أعظم جامع على الله من الأعمال فقال: { وأقيموا الصلاة } ثم ذكر ما به تمام الجمع ودوامه فقال: { وآتوا الزكاة } ولما كان الإعراض عن هذه المحاسن في غاية البعد فكيف إذا كانت بعهد فكيف إذا كان من الله أشار إلى ذلك بأداة التراخي فقال: { ثم توليتم } أي عن ذلك أو عن كثير منه، وأشار بصيغة التفعل إلى أن الأمور الدينية لحسنها لا يعرض عنها إلا بعلاج بين الفطرة الأولى والأمارة { إلا قليلاً منكم وأنتم } أي والحال أنكم { معرضون } عادتكم ذلك، لم يكن ذلك منكم عن غير علم، والإعراض صرف الشيء إلى العُرض التي هي الناحية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10