الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ } * { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ } * { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

وابتدأ سبحانه بتذكيرهم بما خصهم به عن النوع الآدمي من النعم التي كانوا يقابلونها بالكفران وما عاملهم به من إمهالهم على مرتكباتهم ومعاملتهم بالعفو والإقالة مما يبين سعة رحمته وعظيم حلمه، وابتدأ من أوامرهم بالإيفاء بالعهود التي من أعظمها متابعة هذا النبي الكريم والإيمان بكتابه الذي نفى عنه الريب فقال: { يا بني إسرائيل } أي الذي شرفته وشرفت بنيه من أجله { اذكروا } من الذكر بالكسر والضم بمعنى واحد يكونان باللسان وبالجنان، وقال الكسائي: هو بالكسر باللسان وبالضم بالقلب، والذي بالقلب ضده النسيان، والذي باللسان ضده الصمت - نقله الأصفهاني. وقال الحرالي: من الذكر وهو استحضار ما سبقه النسيان. { نعمتي } وهي إنالة الشخص ما يوافق نفسه وبدنه وعند المتفطن ما يوافق باطنه وظاهره مما بين قلبه وشعوبه من أهله وحشمه { التي } تي منها إشارة لباطن نازل متخيل مبهم تفسره صلته بمنزلة ذي وال منها إشارة لذلك المعنى بالإشارة المتخيلة - انتهى { أنعمت } أي بها ودللت على شرفها بإضافتها إلى { عليكم } وتلك النعمة الشريفة هي الإتيان بالهدى من الكتب والرسل الذي استنقذتكم به من هوان الدنيا والآخرة { وأوفوا } من الوفاء وهو عمل لاحق بمقتضى تقدم علم سابق - قاله الحرالي. { بعهدي } أي الذي أخذته عليكم في لزوم ما أنزل إليكم من متابعة نبيكم ومن آمَرَكم باتباعه من بعده، والعهد التقدم في الشيء خفية اختصاصاً لمن يتقدم له فيه - قاله الحرالي، وقال الأصفهاني: حفظ الشيء ومراعاته حالاً فحالاً، قال الخليل: أصله الاحتفاظ بالشيء وإجداد العهد به، { أوف بعهدكم } أي في جعلكم ممن لا خوف عليهم ولا حزن بسعة العيش والنصر على الأعداء كما يأتي عن نص التوراة في مظانه من هذا الكتاب { وإياي } أي خاصة { فارهبون } أي ولا تزلّوا اجْعَلْكم في مصير الكافرين بعد الضرب بأنواع الهوان في الدنيا، والرهب حذر النفس مما شأنها منه الهرب لأذى تتوقعه، وخوطبوا بالرهبة لاستبطانها فيما يختص لمخالفة العلم، قال الحرالي: وأطال سبحانه في حجاجهم جرياً على قانون النظر في جدال العالم الجاحد وخطاب المنكر المعاند، وفي قوله تعالى: { وآمنوا بما أنزلت } أي أوجدت إنزاله { مصدقاً لما معكم } تقرير لذلك الكتاب لا ريب فيه، وأمروا كما قال الحرالي تجديد الإيمان بالقرآن لما فيه من إنباء بأمور من المغيبات التي لم تكن في كتابهم كتفاصيل أمور الآخرة التي استوفاها القرآن، لأنه خاتم ليس وراءه كتاب ينتظر فيه بيان، وقد أبقى لكل كتاب قبله بقية أحيل فيها على ما بعده - ليتناءى البيان إلى غاية ما أنزل به القرآن حين لم يعهد إليهم إلا في أصله على الجملة - انتهى. وفي قوله: { ولا تكونوا أول كافر به } معنى دقيق في تبكيتهم وأمر جليل من تعنيفهم وذلك أنه ليس المراد من { أول } ظاهر معناه المتبادر إلى الذهن فإن العرب كثيراً ما تطلق الأول ولا تريد حقيقته بل المبالغة في السبق، كما قال مقيس بن صبابة وقد قتل شخصاً من الصحابة رضوان الله عليهم كان قتل أخاه خطأ ورجع إلى مكة مرتداً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6