الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

ولما كان التقدير: هذا إذا كنتم حضوراً يسهل عليكم إحضار الكاتب والشاهد، عطف عليه قوله: { وإن كنتم } ولما كان الإنسان في السفر يكون مستجمع القوى كامل الآلات تام الأهبة عبر بأداة الاستعلاء فقال: { على سفر } يعوز مثله إحضار كاتب { ولم تجدوا كاتباً فرهان } أي فيغنيكم عن الكتب رهن يكون بدلاً عنه، وقرىء: فرهان، وكلاهما جمع رهن - بالفتح والإسكان، وهو التوثقة بالشيء مما يعادله بوجه ما. وأشار بأن بدليتها لا تفيد إلا بما وصفها من قوله: { مقبوضة } أي بيد رب الدين وثيقة لدينه.

ولما كان التقدير: هذا إن تخوفتم من المداين، عطف عليه قوله: { فإن أمن } ولما كان الائتمان تارة يكون من الدائن وتارة يكون من الراهن قال: { بعضكم بعضاً } أي فلم تفعلوا شيئاً من ذلك { فليؤد } أي يعط، من الأداء وهو الإتيان بالشيء لميقاته. ولما كان المراد التذكير بالإحسان بالائتمان ليشكر ولم يتعلق غرض بكونه من محسن معين بني للمفعول قوله: { الذي اؤتمن } من الائتمان وهو طلب الأمانة وهو إيداع الشيء لحفيظته حتى يعاد إلى المؤتمن - قاله الحرالي: { أمانته } وهو الدين الذي ترك المؤتمن التوثق به من المدين إحساناً إليه وحسن ظن به، وكذا إن كان الائتمان من جهة الراهن { وليتق الله } المستجمع لصفات العظمة { ربه } أي الذي رباه في نعمه وصانه من بأسه ونقمه وعطّف عليه قلب من أعطاه وائتمنه ليؤدي الحق على الصفة التي أخذه بها فلا يخن في شيء مما اؤتمن عليه.

ولما كانت الكتابة لأجل إقامة الشهادة وكانت الأنفس مجبولة على الشح مؤسسة على حب الاستئثار فيحصل بسبب ذلك مخاصمات ويشتد عنها المشاحنات وربما كان بعض المخاصمين ممن يخشى أمره ويرجى بره فيحمل ذلك الشهود على السكوت قال سبحانه وتعالى: { ولا تكتموا الشهادة } أي سواء كان صاحب الحق يعلمها أو لا. ولما نهى أتبع النهي التهديد فقال: { ومن يكتمها فإنه آثم } ولما كان محلها القلب الذي هو عمدة البدن قال: { قلبه } ومن أثم قلبه فسد، ومن فسد قلبه فسد كله، لأن القلب قوام البدن، إذا فسد فسد سائر الجسد.

ولما كان التقدير: فإن الله سبحانه وتعالى عالم بأنه كتم وكان للشهداء جهات تنصرف بها الشهادة عن وجه الإقامة عطف عليه قوله - ليشمل التهديد تلك الأعمال بإحاطة العلم: { والله } أي المحيط بجميع صفات الكمال. ولما كان الإنسان هو المقصود الأعظم من سائر الأكوان فكانت أحواله مضبوطة بأنواع من الضبط كأن العلم البليغ مقصور عليه فلذلك قدم قوله: { بما تعملون } أي كله وإن دق سواء كان فعل القلب وحده أو لا { عليم * } قال الحرالي: فأنهى أمر ما بين الحق والخلق ممثولاً وأمر ما بين الخلق والخلق مثلاً - انتهى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد