الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

ولما أتم سبحانه وتعالى البيان لما أراده مما شرعه في شهر الصوم ليلاً ونهاراً وبعض ما تبع ذلك وكان كثير من الأحكام يدور على الهلال لا سيما أحد قواعد الإسلام الحج الذي هو أخو الصوم وكانت الأهلة كالحكام توجب أشياء وتنفي غيرها كالصيام والديون والزكوات وتؤكل بها الأموال حقاً أو باطلاً وكان ذكر الشهر وإكمال العدة قد حرك العزم للسؤال عنه بين ذلك بقوله تعالى: { يسئلونك } وجعل ذلك على طريق الاستئناف جواباً لمن كأنه قال: هل سألوا عن الأهلة؟ فقيل: نعم، وذلك لتقدم ما يثير العزم إلى السؤال عنها صريحاً فكان سبباً للسؤال عن السؤال عنها، وكذا ما يأتي من قولهيسئلونك ماذا ينفقون } [البقرة: 215]يسئلونك عن الشهر الحرام } [البقرة: 217]يسئلونك عن الخمر والميسر } [البقرة: 219] بخلاف ما عطف على ما قبله بالواو كما يأتي، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة الأنعام ما ينبغي من علم النجوم وما لا ينبغي { عن الأهلة } أي التي تقدم أنه ليس البر تولية الوجه قبل مشارقها ومغاربها: ما سبب زيادتها بعد كونها كالحظ أو الخيط حتى تتكامل وتستوي ونقصها بعد ذلك حتى تدق وتنمحق؟ قال الحرالي: وهي جمع هلال وهو ما يرفع الصوت عند رؤيته فغلب على رؤية الشهر الذي هو الهلال - انتهى.

ولما كان كأنه قيل: ما جوابهم؟ قيل: { قل } معرضاً عنه لما لهم فيه من الفتنة لأنه ينبني على النظر في حركات الفلك وذلك يجر إلى علم تسيير النجوم وما يتبعه من الآثار التي تقود إلى الكلام في الأحكام المنسوبة إليها فتستدرج إلى الإلحاد وقد ضل بذلك كثير من الأمم السالفة والقرون الماضية فاعتقدوا تأثيرها بذواتها وقد قال عليه الصلاة والسلام ناهياً عن ذلك لذلك: " من اقتبس علماً من النجوم اقتبس باباً من السحر زاد ما زاد " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما؛ وقال علي رضي الله تعالى عنه: " من طلب علم النجوم تكهن " مرشداً سبحانه وتعالى إلى ما فيه صلاحهم: { هي مواقيت } جمع ميقات من الوقت وهو الحد الواقع بين أمرين أحدهما معلوم سابق والآخر معلوم به لاحق. وقال الأصبهاني: والفرق بين الوقت والمدة والزمان أن المدة المطلقة امتداد حركة الفلك من مبدئها إلى الزمان، والزمان مدة مقسومة، والوقت الزمان المفروض لأمر ما. { للناس } في صومهم كما تقدم ومعاملاتهم ليعلموا عدد السنين والحساب { والحج } صرح به لأنه من أعظم مداخلها. قال الحرالي: وهو حشر العباد إلى الموقف في شهور آخر السنة، فهو أمر ديني مشعر بختم الزمان وذهابه لما فيه من آية المعاد - انتهى.

ولما كانوا قد اعتادوا في الحج فعلاً منكراً وكان ترك المألوفات أشق شيء على النفوس، ولذلك قال أهل الطريق وسادات أهل التحقيق: ملاك القصد إلى الله تعالى خلع العادات واستجداد قبول الأمور المنزلات من قيوم السماوات والأرض، وبذلك كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم سادات أهل الإسلام، قال تعالى عاطفاً على { ليس البر } مقبحاً لذلك الفعل عليهم منبهاً على أنهم عكسوا في سؤالهم كما عكسوا في فعالهم، ويجوز أن يكون معطوفاً على حال دل عليها السياق تقديرها: والحال أنه ليس البر سؤالكم هذا عنها { وليس البر } وأكد النفي بزيادة الباء في قوله: { بأن تأتوا البيوت } أي لا الحسية ولا المعنوية { من ظهورها } عند القدوم من الحج أو غيره كما أنه ليس البر بأن تعكسوا في مقالكم بترك السؤال عما يعنيكم والسؤال عما لا يعنيكم بل يعنيكم.

السابقالتالي
2 3 4 5