الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

ثم أتبع هذا الإنكار ذكر الكتاب والرسول كما فعل في الإنكار الأول غير أنه صرح هنا بما طواه هناك فقال: { ولما جاءهم رسول } أي عظيم محيطة دعوته بما أشعر به الاسم الأعظم في قوله { من عند الله } أي الملك الذي له جميع الملك والأمر { مصدق لما معهم } لكونه أتى بكتاب محقق أنه من عند الله لإعجاز نظمه وتصديق معناه لكتابهم { نبذ } أي رمى رمي استخفاف { فريق من الذين أوتوا الكتاب } الأول { كتاب الله } الملك الأعلى الذي أخذ عليهم فيه الميثاق على لسان نبيهم باتباع النبي الأمي أسوأ النبذ بجعله لاستخفافهم به { وراء ظهورهم } بتركهم العمل به وإن حلوه بالذهب ووضعوه على الكراسي بين أيديهم. وأشعر بعنادهم بقوله: { كأنّهم لا يعلمون } ولما كانت سنة الله جارية بأنه ما أمات أحد سنة إلا زاد في خذلانه بأن أحيى على يده بدعة أعقبهم نبذهم لكلام الله أولى الأولياء إقبالهم على كلام الشياطين الذين هم أعدى الأعداء فقال تعالى: { واتبعوا ما تتلوا } أي تقرأ أو تتبع، وعبر بالمضارع إشارة إلى كثرته وفشوه واستمراره { الشياطين على ملك } أي زمن ملك { سليمان } من السحر الذي هو كفر. قال الحرالي: من حيث إن حقيقته أمر يبطل بذكر اسم الله ويظهر أثره فيما قصر عليه من التخييل والتمريض ونحوه بالاقتصار به من دون اسم الله الذي هو كفر - انتهى. وكأن السحر كان في تلك الأيام ظاهراً عالياً على ما يفهمه التعبير بعلى، وأحسن من هذا أن يضمن { تتلوا } تكذب، فيكون التقدير: تتلو كذباً على ملكه، كما أشار إليه ما رواه البغوي وغيره عن الكلبي وكذا ما روي عن السدي، وقال أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي في كتاب الزينة: وروى في الحديث: " أنه لما مات سليمان عليه السلام عمدت الشياطين فكتبت أصناف السحر: من كان يحب أن يبلغ كذا فليفعل كذا، وجعلوه في كتاب ثم ختموه بخاتم سليمان وكتبوا في عنوانه: هذا كتاب آصف بن برخيا الصديق لسليمان بن داود عليهما السلام من ذخائر كنوز العلم، ثم دفنوه تحت كرسيه؛ فاستخرجه بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا، فلما عثروا عليه قالوا: ما كان ملك سليمان إلا بهذا، فأفشوا السحر في الناس، فليس هو في أحد أكثر منه في يهود " انتهى.

وسليمان - على ما ذكر في أول إنجيل متّى أثناء إنجيل لوقا - هو ابن داود بن لَسَّى ابن عونيد بن باعاز بن سلمون بن يصون بن عميناداب بن أرام بن يورام بن حصرون بن فارض بن يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام والحاصل أنهم مع تركهم للكتب المصدقة لما معهم، الكفيلة بكل هدى وبركة، الآتية من عند الله المتحبب إلى عباده بكل جميل، على ألسنة رسله الذين هم أصدق الناس وأنصحهم وأهداهم، لا سيما هذا الكتاب المعجز الذين كانوا يتباشرون بقرب زمن صاحبه، اتبعوا السحر الذي هو أضر الأشياء وأبشعها، الآتي به الشياطين الذين هم أعدى الأعداء وأفظعها، وأعجب ما في ذلك أنهم نسبوا السحر إلى سليمان عليه السلام كذباً وفجوراً وكفروه به ثم كانوا هم أشد الناس تطلباً له ومصاحبة علماً وعملاً وأكثر ما يوجد فيهم، فكانوا بذلك شاهدين على أنفسهم بالكفر؛ ومن المحاسن أيضاً أنه لما كان قوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7