الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } * { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } * { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } * { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً }

ولما تبين بذلك وبما ذكر في هاتين السورتين مما سألوا عنه ومن غيره شمولُ علمه وتمام قدرته لا سيما في إيجاد البشر تارة من التراب، وتارة من ذكر وأنثى في حكم العدم، وتارة من أنثى بلا ذكر، وثبت ذلك كله، فانكشفت الشبه، وتضاءلت موجبات المراء، وانقمعت مخيلات الفتن، عجب منها في إنكارهم البعث وهم يشاهدون ما ذكر من قدرته وعلمه، عاطفاً على التعجب في قولهم { وقالوا ءاذا كنا } تعجيباً أشد من ذلك فقال: { ويقول } بلفظ المضارع المؤذن بالتجدد بعد هذا البيان المقتضي حتماً لاعتقاده البعث فضلاً عن إنكار مرة من المرات، ليخبر عنها بصيغة الماضي، فكيف بالمداومة على ذلك المشار إليها بصيغة المضارع؛ وعبر بالمفرد وإن كان للجنس لأن الإنكار على الواحد يستلزم الإنكار على المتعدد فقال: { الإنسان } أي الذي خلقناه ولم يك شيئاً، مع ما فضلناه به من العقل، ونصبنا له من الدلائل، فشغله الإنس بنفسه عن التأمل في كمال ربه منكراً مستبعداً: { أءذا ما مت } ثم دل على شدة استبعاده لذلك بقوله مخلصاً للام الابتداء إلى التوكيد سالخاً لها عما من شأنها الدلالة عليه من الحال لتجامع ما يخلص للاستقبال: { لسوف أخرج } أي يخرجني مخرج { حياً * } أي بعد طول الرقاد، وتفتت الأجزاء والمواد، وجاء بهذه التأكيدات لأن ما بعد الموت وقت كون الحياة منكرة على زعمه، والعامل في { إذا } فعل من معنى { أخرج } لا هو، لمنع لام الابتداء لعمله فيما قبله؛ ثم قابل إنكاره الباطل بإنكار هو الحق فقال عطفاً على يقول أو على ما تقديره: ألا يذكر ما لنا من تمام القدرة بخلق ما هو أكبر من ذلك من جميع الأكوان: { أو لا يذكر } بإسكان الذال على قراءة نافع وابن عامر وعاصم إشارة إلى أنه أدنى ذكر من هذا يرشده إلى الحق، وقراءة الباقين بفتح الذال والكاف وتشديدهما يشير إلى أنه - لاستغراقه في الغفلة - يحتاج إلى تأمل شديد { الإنسان } أي الآنس بنفسه، المجترىء بهذا الإنكار على ربه وقوفاً مع نفسه { أنا خلقناه } وأشار الجار إلى سبقه بالعدم فقال: { من قبل } أي من قبل جدله هذا أي بما لنا من القدرة والعظمة.

ولما كان المقام لتحقيره بكونه عدماً، أعدم من التعبير عن ذلك ما أمكن إعدامه، وهو النون، لتناسب العبارة المعتبر فقال: { ولم يك شيئاً * } أصلاً، وإنا بمقتضى ذلك قادرون على إعادته فلا ينكر ذلك.

ولما كان كلام الكافر صورته صورة استفهام، وهو جحد في الحقيقة وإنكار، وكان إنكار المهدَّد لشيء يقتدر عليه المهدد سبباً لأن يحققه لما مقسماً عليه، قال تعالى مجيباً عن إنكاره مؤذناً بالغضب عليهم بالإعراض عنهم مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم تفخيماً لشأنه وتعظيماً لأمره: { فوربك } المحسن إليك بالانتقام منهم.

السابقالتالي
2