الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }

ولما كان موسى أول من نوه الله بأسمائهم، على لسانه في التوراة، وأظهر محامدهم، وشهر مناقبهم، وتوارث ذلك أبناؤهم منه حتى شاع أمرهم وذاع، وملأ الأسماع، وطار في الأقطار، حتى عم البراري والبحار، عقب ذكرهم بذكره فقال: { واذكر في الكتاب } أي الذي لا كتاب مثله في الكمال { موسى } أي الذي أنقذ الله به بني إسرائيل من العبودية والذل ختى تمكنوا من آثار آبائهم، وكان موافقاً لأبيه إبراهيم عليهم السلام في أن كلاً منهما أراد ملك زمانه الذي ادعى الربوبية قتله خوفاً على ملكه منه، فأنجاه الله منه، وأمر موسى أعجب لأنه سبحانه أنجاه من الذبح بالذباح، ثم علل ذكره له بقوله: { إنه كان } أي كوناً عريقاً فيه { مخلصاً } لله تعالى في توحيده وجميع أعماله كما أشارت إليه قراءة الجمهور - من غير كلفة في شيء، في ذلك لأن الله أخلصه له كما في قراءة الكوفيين بالفتح { وكان رسولاً } إلى بني إسرائيل والقبط { نبياً * } ينبئه الله بما يريد من وحيه لينبىء به المرسل إليهم، فيرفع بذلك قدره، فصار الإخبار بالنبوة عنه مرتين: إحداهما في ضمن { رسولاً } والأخرى صريحاً مع إفهام العلو باشتقاقه من النبوة، وبكون النبأ لا يطلق عليه غالباً إلا على خبر عظيم، فصار المراد: رسولاً عالياً مقداره ويخبر بالأخبار الجليلة، وفيه دفع لما يتوهم من أنه رسول عن بعض رسله كما في أصحاب يس؛ وعطف على ذلك دليله الدال على ما صدرت به السورة من الرحمة، فرحمه بتأنيس وحشته وتأهيل غربته بتلذيذه بالخطاب وإعطائه الكتاب فقال: { وناديناه } أي بما لنا من العظمة { من جانب الطور } أي الجانب { الأيمن } فأنبأناه هنالك - حين كان متوجهاً إلى مصر - بأنه رسولنا، ثم واعدناه إليه بعد إغراق آل فرعون، فكان لبني إسرائيل به من العجائب في رحمتهم بإنزال الكتاب، والإلذاذ بالخطاب، من جوف السحاب، وفي إماتتهم لما طلبوا الرؤية، ثم إحيائهم وغير ذلك ما يجل عن الوصف على ما هو مذكور في التوراة، وتقدم كثير منه في هذا الكتاب { وقربناه } بما لنا من العظمة تقريب تشريف حال كونه { نجيّاً * } نخبره من أمرنا بلا واسطة من النجوى وهي السر والكلام بين الاثنين كالسر، والتشاور كما في يوسف ويأتي في المجادلة { ووهبنا له } أي هبة تليق بعظمتنا { من رحمتنا } له لما سألنا { أخاه } أي معاضدة أخيه وبينه بقوله: { هارون } حال كونه { نبياً * } أو هو بدل أي نبوته شددنا به أزره، وقوينا به أمره، وكان يخلفه من قومه عند ذهابه إلى ساحة المناجاة، ومع ذلك فأشركوا بي صورة عجل، فلا تعجب من غرورهم للعرب مع مباشرتهم لهذه العظائم.

السابقالتالي
2