الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً }

ولما كان ذلك المشهد عظيم الجمع، شديد الزحام مستوي الأرض، بعيد الأرجاء، كان حاله مقتضياً لئلا يطلعوا على غير ما يليهم من أهواله، فقال في جواب من يقول: وما عسى أن يسمعوا أو يبصروا فيه، معلماً بأن حالهم في شدة السمع والبصر جديرة بأن يعجب منها: { أسمع بهم وأبصر } أي ما أشد سمعهم وما أنفذ بصرهم! { يوم يأتوننا } سامعين لكل أهواله، مبصرين لسائر أحواله، فيطلعون بذلك على جميع ما أدى عمله في الدنيا إلى ضرهم في ذلك اليوم، وجميع ما كان ينفعهم لو عملوه، فيندمون حيث لا ينفعهم الندم، ويتمنون المحال من الرجوع إلى الدنيا ونحوه ليتداركوا فلا يجابون إلى ذلك، بل يسلك بهم في كل ما يؤذيهم ويهلكهم ويرديهم، فيكونون بسلوك ذلك - وهم يعلمون ضرره عمياً وبكماً وصمّاً، لأنهم لا ينتفعون بمداركهم كما كانوا في الدنيا كذلك، لكنهم - هكذا كان الأصل، وإنما أظهر فقال: { لكن الظالمون } تنبيهاً على الوصف الذي أحلهم ذلك المحل { اليوم في ضلال مبين * } لا يسمعون ولا يبصرون.

ولما كان هذا الذي تقدم إنذاراً بذلك المشهد، كان التقدير: أنذر قومك ذلك المشهد وما يسمعونه فيه ويبصرونه { وأنذرهم يوم الحسرة } نفسه في ذلك المشهد العظيم، يوم تزل القدم، ولا ينفع الندم، للمسيء على إساءته، وللمحسن على عدم ازدياده من الإحسان.

ولما كان { يوم } مفعولاً، لا ظرفاً، أبدل منه، أو علل الإنذار فقال: { إذ } أي حين، أو لأنه، وعبر عن المستقبل بالماضي، إيذاناً بأنه أمر حتم لا بد منه فقال: { قضي الأمر } أي أمره وفرغ منه بأيسر شأن وأهون أمر، وقطعنا أنه لا بد من كونه { وهم } حال من { أنذرهم } أي والحال أنهم الآن { في غفلة } عما قضينا أن يكون في ذلك الوقت من أمره، لا شعور لهم بشيء منه، بل يظنون أن الدهر هكذا حياة وموت بلا آخر { وهم لا يؤمنون * } بأنه لا بد من كونه؛ وفي الصحيح ما يدل على أن يوم الحسرة حين يذبح الموت فقد روى مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيقال: يا أهل الجنة! هل تعرفون هذا، فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم! هذا الموت، ويقال: يا أهل النار! هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم! هذا الموت، فيؤمر به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي وراية: فذلك قوله { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر } " " الآية.

السابقالتالي
2