الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } * { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

ولما كان في ذلك من أقوال عيسى وأحواله - المنادية بالحاجة للتنقل في أطوار غيره من البشر والكرامة من الله - أعظم البيان عن بعده عما ادعى فيه النصارى من الإلهية واليهود من أنه لغير رشده، نبه على ذلك مشيراً إليه بأداة البعد فقال مبتدئاً: { ذلك } أي الولد العظيم الشأن، العلي الرتبة، الذي هذه أحواله وأقواله البعيدة عن صفة الإله وصفة من ارتاب في أمره؛ ثم بين اسم الإشارة أو أخبر فقال: { عيسى ابن مريم } أي وحدها ليس لغيرها فيه بنوة أصلاً، وهي من أولاد آدم، فهو كذلك؛ ثم عظم هذا البيان تعظيماً آخر فقال: { قول } أي هو - أي نسبته إلى مريم فقط - قول { الحق } أي الذي يطابقه الواقع، أو يكون القول عيسى نفسه كما أطلق عليه في غير هذا الموضع " كلمة " من تسمية المسبب باسم السبب وهو على هذه القراءة خبر بعد خبر أو بدل أو خبر مبتدأ محذوف، وعلى قراءة عاصم وابن عامر بالنصب، هو اغراء، أي الزموا ذلك وهو نسبته إلى مريم عليهما السلام وحدها ثم عجب من ضلالهم فيه بقوله: { الذي فيه يمترون * } أي يشكون شكاً يتكلفونه ويجادلونه به مع أن أمره في غاية الوضوح، ليس موضعاً للشك أصلاً؛ ثم دل على كونه حقاً في كونه ابن مريم لا غيرها بقوله رداً على من ضل: { ما كان } أي ما صح ولا تأتي ولا تصور في العقول ولا يصح ولا يتأتى لأنه من المحال لكونه يلزم منه الحاجة { لله } الغني عن كل شيء { إن يتخذ } ولما كان المقام يقتضي النفي العام، أكده بـ " من " فقال: { من ولد }.

ولما كان اتخاذ الولد من النقائص، أشار إلى ذلك بالتنزيه العام بقوله: { سبحانه } أي تنزه عن كل نقص من احتياج إلى ولد أو غيره ثم علل ذلك بقوله: { إذا قضى أمراً } أي أمر كان { فإنما يقول له كن } أي يريده ويعلق قدرته به { فيكون * } من غير حاجة إلى شيء أصلاً، فكيف ينسب إلى الاحتياج إلى الإحبال والإيلاد والتربية شيئاً فشيئاً كما أشار إليه الاتخاذ.

ولما كان لسان الحال ناطقاً عن عيسى عليه الصلاة والسلام بأن يقول: وقد قضاني الله فكنت كما أراد، فأنا عبد الله ورسوله فاعتقدوا ذلك ولا تعتقدوا سواه من الأباطيل، عطف عليه في قراءة الحرميين وأبي عمرو قوله: { وإن الله } أي الذي له الأمر كله { ربي وربكم } أي أحسن إلى كل منا بالخلق والرزق، لا فرق بيننا في أصل ذلك { فاعبدوه } وحده لتفرده بالإحسان كما أعبده، وقراءة الباقين بالكسر على أنه مقول عيسى عليه السلام الماضي، ويكون اعتراض ما تقدم من كلام الله بينهما للتأكيد والاهتمام.

السابقالتالي
2