الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } * { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً }

ولما استدلوا على معتقدهم، وعلموا سفه من خالفهم، وهم قوم لا يدان لهم بمقاومتهم، لكثرتهم وقلتهم، تسبب عن ذلك هجرتهم ليسلم لهم دينهم، فقال تعالى شارحاً لما بقي من أمرهم، عاطفاً على ما تقديره: وقالوا أو من شاء الله منهم حين خلصوا من قومهم نجياً: لا ترجعوا إلى قومكم أبداً ما داموا على ما هم عليه، هذا إن كان المراد قيامهم بين يدي دقيانوس، وإن كان المراد من القيام الانبعاث بالعزم الصادق لم يحتج إلى هذا التقدير: { وإذ } أي حين { اعتزلتموهم } أي قومكم { وما } أي واعتزلتم ما { يعبدون إلا الله } أي الذي له صفات الكمال، وهذا دليل على أنهم كانوا يشركون، ويجوز أن يكونوا سموا الانقياد كرهاً لمشيئته والخضوع بزعمهم لاقضيته عبادة { فأوا } أي بسبب هذا الاعتزال، وهذا دليل العامل في { إذ } { إلى الكهف } أي الغار الذي في الجبل { ينشر } أي يحيي ويبعث { لكم ربكم } الذي لم يزل يحسن إليكم { من رحمته } ما يكفيكم به من المهم من أمركم { ويهيىء لكم من أمركم } الذي من شأنه أن يهمكم { مرفقاً * } ترتفقون به، وهو بكسر الميم وفتح الفاء في قراءة الجماعة، وبفتحها وكسر الفاء للنافع وابن عامر، وهذا الجزم من آثار الربط على قلوبهم بما علموا من قدرته على كل شيء، وحمايته من لاذ به ولجأ إليه وعبده وتوكل عليه، ففعلوا ذلك ففعل الله ما رجوه فيه، فجعل لهم أحسن مرفق بأن أنامهم ثم أقامهم بعد مضي قرون ومرور دهور، وهدى بهم ذلك الجيل الذي أقامهم فيه { وترى } لو رأيت كهفهم { الشمس إذا طلعت }.

ولما كان حالهم خفياً، وكذا حال انتقال الشمس عند من لم يراقبه، أدغم تاء التفاعل نافع وابن كثير وأبو عمرو، وأسقطها عاصم وحمزة والكسائي، فقال تعالى: { تزاور } أي تتمايل وتتحرف، ولعل قراءة ابن عامر ويعقوب تزور بوزن تحمر ناظرة إلى الحال عند نهاية الميل { عن كهفهم } بتقلص شعاعها بارتفاعها إلى أن تزول { ذات اليمين } إذا كنت مستقبلاً القبلة وأنت متوجه إليه أو مستقبلاً الشمس فيصيبهم من حرها ما يمنع عنهم التعفن ويمنع سقف الكهف شدة الحرارة المفسدة في بقية النهار { وإذا غربت } أي أخذت في الميل إلى الغروب { تقرضهم } أي تعدل في مسيرها عنهم { ذات الشمال } كذلك، لئلا يضرهم شدة الحرارة، ويصيبهم من منافعها مثل ما كان عند الطلوع، فلا يزال كهفهم رطباً، ويأتيه من الهواء الطيب والنسيم الملائم ما يصونهم عن التعفن والفساد، فتحرر بذلك أن باب الغار مقابل لبنات نعش، وأن الجبل الذي هم فيه شمالي مكة المشرفة، ويجوز أن يكون المراد يمين من يخرج من الكهف وشماله، فلا يلزم ذلك، وقال الأصبهاني: قيل: إن باب ذلك كان مفتوحاً إلى جانب الشمال إذا طلعت الشمس عن يمين الكهف، وإذا غربت كانت على شماله.

السابقالتالي
2 3