الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } * { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } * { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } * { أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً }

ولما ذكر أنه الوكيل الذي لا كافي غيره في حفظه، لاختصاصه بشمول علمه وتمام قدرته، أتبعه بعض أفعاله الدالة على ذلك فقال تعالى، عوداً إلى دلائل التوحيد الذي هو المقصود الأعظم بأحوال البحر الذي يخلصون فيه، في أسلوب الخطاب استعطافاً لهم إلى المتاب: { ربكم } أي المحسن إليكم، هو { الذي يزجي } أي يسوق ويدفع وينفذ { لكم } أي لمنفعتكم { الفلك } التي حملكم فيها مع أبيكم نوح عليه السلام { في البحر لتبتغوا } أي تطلبوا طلباً عظيماً بذلك أنواع المنافع التي يتعذر أو يتعسر الوصول إليها في البر { من فضله } ثم علل فعله ذلك بقوله تعالى: { إنه } أي فعل ذلك لكم لأنه { كان } أي أزلاً وأبداً { بكم } أي أيها المؤمنون خاصة { رحيماً * } أي مكرماً بالتوفيق إلى فعل ما يرضيه في المتجر وغيره، لا لشيء غير ذلك، أو يكون ذلك خطاباً لجميع النوع فيكون المعنى: خصكم به من بين الحيوانات.

ولما كان المراد المؤمنين خاصة وإن كان خطاباً للمجموع، خص المشركين كذلك فقال: { وإذا } أي فإذا نعمكم بأنواع الخير كنتم على إشراككم به سبحانه، وإذا { مسكم } ولم يقل: أمسكم - بالإسناد إلى نفسه، تأديباً لنا في مخاطبته بنسبة الخير دون الشر إليه، مع اعتقاده أن الكل فعله، وتنبيهاً على أن الشر مما ينبغي التبرؤ منه والبعد عنه { الضر في البحر } من هيج الماء واغتلامه لعصوف الريح وطمو الأمواج { ضل } أي ذهب وبطل عن ذكركم وخواطركم { من تدعون } من الموجودات كلها { إلا إياه } وحده، فأخلصتم له الدعاء علماً منكم أنه لا ينجيكم سواه { فلما نجّاكم } من الغرق وأوصلكم بالتدريج { إلى البر أعرضتم } عن الإخلاص له ورجعتم إلى الإشراك { وكان الإنسان } أي هذا النوع { كفوراً * } أي بليغ التغطية لما حقه أن يشهر، فأظهر في موضع الإضمار تنبيهاً على أن هذا الوصف لا يخصهم، بل يعم هذا النوع لطبعه على النقائص إلا من أخلصه الله له.

ولما كان التقدير: أعرضتم بعد إذ أنجاكم فكفرتم بذلك وكان الكفر وصفاً لكم لازماً، فتسبب عن ذلك أنكم أمنتم، أي فعلتم بذلك فعل الآمن، أنكر عليهم هذا الأمر لكونه من أجهل الجهل فقال تعالى: { أفأمنتم } أي أنجوتم من البحر فأمنتم بعد خروجكم منه { أن نخسف } أي بما لنا من العظمة { بكم } ودل على شدة إسراعهم بالكفر عند وصولهم إلى أول الساحل بقوله تعالى: { جانب البر } أي فنغيبكم فيه في أيّ جانب كان منه، لأن قدرتنا على التغييب في التراب في جميع الجوانب كقدرتنا على التغييب في الماء سواء، فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب { أو } أمنتم إن غلظت أكبادكم عن تأمل مثل هذا أن { يرسل عليكم } من جهة الفوق شيئاً من أمرنا { حاصباً } أي يرمي بالحصباء، أي بالحصى الصغار - قاله الرازي في اللوامع، وقال الرماني: حجارة يحصب بها، أي يرمي بها، حصبه - إذا رماه رمياً متتابعاً - انتهى.

السابقالتالي
2