الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } * { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ }

ولما أيقظهم من رقدتهم، ونبههم على عظيم غفلتهم من عموم القدرة وشمول العلم، المقتضي للفعل بالاختيار، المحقق للبعث وغيره، من كل ما يريده سبحانه ببعض آياته المبثوثة في الآفاق من جماد ثم حيوان، وختم ذلك بما هو شفاء، ثنى ببعض ما في أنفسهم من الأدلة على ذلك مذكراً بمراتب عمر الإنسان الأربع، وهي سن الطفولية والنمو، ثم سن الشباب الذي يكون عند انتهائه الوقوف، ثم سن الكهولة وفيه يكون الانحطاط مع بقاء القوة، ثم سن الانحطاط مع ظهور الضعف وهو الشيخوخة، مضمناً ما لا يغني عنه دواء، حثاً على التفكر في آياته والتعقل لها قبل حلول ذلك الحادث، فيفوت الفوت، ويندموا حيث لا ينفع الندم، فقال: { والله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً { خلقكم } فجعلكم بعد العدم أحياء فهّماً خصّماً { ثم يتوفاكم } على اختلاف الأسنان، فلا يقدر الصغير على أن يؤخر، ولا الكبير على أن يقدم، فمنكم من يموت حال قوته { ومنكم من يرد } أي بأيسر أمر منا، لا يقدر على مخالفته بوجه { إلى أرذل العمر } لأنه يهرم فيصير إلى مثل حال الطفولية في الضعف مع استقذار غيره له، ولا يرجى بعده { لكي لا يعلم }.

ولما كان مقصود السورة الدلالة على تمام القدرة وشمول العلم والتنزه عن كل شائبة نقص، وكان السياق هنا لذلك أيضاً بدليل ختم الآية، نزع الخافض للدلالة على استغراق الجهل لزمن ما بعد العلم، فيتصل بالموت، ولا ينفع فيه دواء ولا تجدي معه حيلة فقال: { بعد علم شيئاً } لا يوجد في شيء من ذلك عند إحلاله شفاء، ولا يمنعه دواء: فبادروا إلى التفكر والاعتبار قبل حلول أحد هذين، ثم علل ذلك بقوله تعالى: { إن الله } أي الذي له الإحاطة الكاملة { عليهم قدير * } أي بالغ العلم شامل القدرة، فمهما أراد كان، ومهما أراد غيره ولم يرده هو، أحاط به علمه، فسبب له بقدرته ما يمنعه.

ولما ذكر المفاوتة في الأعمار المنادية بإبطال الطبائع الموجبة للمسابقة إلى الاعتبار لأولي الأبصار للخوف كل لحظة من مصيبة الموت، ثنى بالمفاوتة في الأرزاق فقال تعالى: { والله } أي الذي له الأمر كله { فضل بعضكم } أيها الناس { على بعض }.

ولما كانت وجوه التفضيل كثيرة، وكان التفضيل في المعاش الذي يظن الإنسان أن له قدرة على تحصيله، وكانت المفاوتة فيه أدل على تمام القدرة والفعل بالاختيار الذي السياق له، قال تعالى: { في الرزق } أي ولربما جعل الضعيف العاجز الجاهل أغنى من القوي المحتال العالم، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، وأقبلوا بجميع قلوبكم على ما ينفعكم من الاستبصار؛ قال الإمام أبو نعيم في الحلية: حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد ثنا أحمد بن أحمد بن عمرو الخلال قال: سمعت ابن أبي عمر يقول: كنا عند سفيان بن عيينة فذكروا الفضل بن الربيع ودهاءه، فأنشأ سفيان يقول:


السابقالتالي
2 3