الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ }

ولما كان الرجوع إلى الإشراك بعد الإخلاص مستبعداً أيضاً لاستهجانهم سرعة الاستحالة، قال تعالى: { ثم إذا كشف } سبحانه عما تشركون { الضر } أي الذي مسكم { عنكم } ونبه على مسارعة الإنسان في الكفران فقال تعالى: { إذا فريق } أي جماعة هم أهل فرقة وضلال { منكم } أيها العباد‍‍! { بربهم } الذي تفرد بالإنعام عليهم { يشركون * } أي يوقعون الإشراك به بعبادة غيره تغيراً منهم عما كانوا عليه عند الاستغاثة به في الشدة، فكان منطبقاً عليهم ما ضربوا المثل بكراهته بقولهم:

وإذا تكون كريهة أُدعى لها   وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
وهذا أجهل الجهل.

ولما كان هذا ملزوماً بجحد النعمة، وكان من شأن العاقل البصير بالأمور - كما يدعونه لأنفسهم - أن يغفل عن شيء من لوازم ما يقدم عليه، قال: { ليكفروا } أي يوقعوا التغطية لأدلة التوحيد التي دلتهم عليها غرائز عقولهم { بما ءاتينهم } أي من النعمة، تنبيهاً على أنهم ما أقدموا على ذلك الشرك إلا لهذا الغرض إحلالاً لهم محل العقلاء البصراء الذين يزعمون أنهم أعلاهم، ورفعاً لهم عن أحوال من يقدم على ما لا يعلم عاقبته، ولا خزي أعظم من هذا، لأنه أنتج أن الجنون خير من عقل يكون هذا مآله، فهو من باب التهكم { فتمتعوا } أي فتسبب عن هذا أن يُقبل على هذا الفريق إقبال عالم قادر عليه قائلاً: تمتعوا { فسوف } أي فإن تمتعكم على هذا الحال سبب لأن يقال لكم تهديداً: سوف { تعلمون * } غب تمتعكم، فهو إقبال الغضب والتهديد بسوء المنقلب، وحذف المتهدد به أبلغ وأهول لذهاب النفس في تعيينه كل مذهب.

ولما هددهم بإشراكهم المستلزم لكفر النعمة، أتبعه عجباً آخر من أمرهم فقال عاطفاً على قوله تعالى { وأقسموا بالله جهد أيمانهم }: { ويجعلون } أي على سبيل التكرير { لما لا يعلمون } مما يعبدونه من الأصنام وغيرها لكونه في حيز العدم في نفسه وعدماً محضاً بما وصفوه به كما قال تعالىأم تنبئونه بما لا يعلم } [الرعد:33] { نصيباً مما رزقناهم } بما لنا من العظمة، من الحرث والأنعام وغير ذلك، تقرباً إليها كما مضى شرحه في الأنعام، ولك أن تعطفه - وهو أقرب - على { يشركون } فيكون داخلاً في حيز " إذا " أي فاجأوا مقابلة نعمته في الإنجاء بالإشراك والتقرب برزقه إلى ما الجهل به خير من العلم به، لأنه عدم لأنه لا قدرة له ولا نفع في المقام الذي أقاموه فيه؛ ثم التفت إليهم التفاتاً مؤذناً بما يستحق على هذا الفعل من الغضب فقال تعالى: { تالله } أي الملك الأعظم { لتسئلن } يوم الجمع { عما كنتم } أي كوناً هو في جبلاتكم { تفترون * } أي تتعمدون في الدنيا من هذا الكذب، سؤال توبيخ، وهو الذي لا جواب لصاحبه إلا بما فيه فضيحته.

السابقالتالي
2