الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ }

ولما أخبر تعالى عن أحوال الكفار السائلين في نزول الملائكة بعد أن وهىّ شبههم، وأخبر عن توفي الملائكة لهم ولأضدادهم المؤمنين، مشيراً بذلك إلى أن سنته جرت بأنهم لا ينزلون إلا لإنزال الروح من أمره على من يختصه لذلك أو لأمر فيصل لا مهلة فيه، قال منكراً عليهم: { هل ينظرون } أي هؤلاء الكفار في تقاعسهم عن تصديق الرسل في الإخبار بما أنزل ربهم، وجرد الفعل إشارة إلى قرب ما ينتظرونه { إلا أن تأتيهم } أي بأمر الله { الملائكة } وهم لا يأتونهم إلا بمثل ما أتوا به من قبلهم ممن قصصنا أمرهم من الظالمين إن لم يتوبوا { أو يأتي أمر ربك } أي المحسن إليك المدير لأمرك بأمر يفصل النزاع من غير واسطة ملك أو غيره.

ولما كان هذا أمراً مفزعاً، كان موجباً لمن له فهم أن يقول: هل فعل هذا أحد غير هؤلاء؟ فقيل: نعم! { كذلك } أي مثل هذا الفعل البعيد لبشاعته عن مناهج العقلاء، مكراً في تدبير الأذى، واعتقاداً وقولاً { فعل الذين } ولما كان الفاعلون مثل أفعالهم في التكذيب لم يستغرقوا الزمان، أدخل الجار فقال تعالى: { من قبلهم وما } أي والحال أنه ما { ظلمهم الله } أي الذي له الكمال كله في تقديره ذلك عليهم، لأنه المالك المطلق التصرف والملك الذي لا يسأل عما يفعل { ولكن كانوا } أي جبلة وطبعاً { أنفسهم } أي خاصة { يظلمون * } فاستحقوا العقاب لقيام الحجة عليهم على السنن الذي جرت به عوائدكم فيمن باشر سوء من غير أن يكره عليه إكراهاً ظاهراً، وهذا بعينه هو العلة في إرسال الرسل، ونصب الشرئع والملل { فأصابهم } أي فتسبب عن ظلمهم لأنفسهم أن أصابهم { سيئات } أي عقوبات أو جزاء سيئات { ما عملوا وحاق } أي أحاط ضابطة { بهم } من العذاب والمرسل به من الملائكة { ما كانوا به } أي خاصة { يستهزؤن * } تكبراً عن قبول الحق.

ومادة حاق واوية ويائية - بتراكيبها الست: حوق، حقو، قحو، قوح، وقح، حيق - تدور على الإحاطة، ويلزمها صلابة المحيط ولين المحاط به: حاق به الشيء - إذا نزل به فأحاط، والحيق: ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله، وحاق فيه السيف: حاك أي عمل - من التسمية باسم الجزء، ولأنه في الأغلب يكون في عمله الموت المحيط بالأجل، وحاق بهم الأمر: لزمهم ووجب عليهم ونزل بهم، والحيقة: شجرة كالشيح يؤكل بها التمر - كأنه يحيط بالتمرة، وحايقه: حسده وأبغضه - لإحاطة ذلك.

والحوق - بالضم: ما أحاط بالكمرة من حروفها، وبالضم والفتح معاً: استدارة في الذكر، والحوق - بالفتح فقط: الإحاطة، والأحوق والمحوق - كمعظم: الكمرة - كأنها مختصة بذلك لكبرها، ومنه فيشلة حوقاء: عظيمة - كأنها لعظمها هي التي ظهر حرفها دون غيرها، وأرض محوقة - بضم الحاء: قليلة النبت لقلة المطر - كأنه تشبه بالكمرة في ملاستها، وتركت النخلة حوقاء - إذا أشعل في الكرانيف - لاستدارة النار بها أو لشبهها بعد حريق السعف بالذكر أو رأسه، والحوقة بالفتح: الجماعة الممخرقة - لأن الجماعة لها قوة الاستدارة، والممخرق إن كان من الكذب فمن لازمه العوج، وإن كان من المخراق - وهو المنديل الذي يلف للعب به - فاللعب به على هيئة الاستدارة، وحوق عليه تحويقاً: عوج عليه الكلام، والحوق - بالفتح أيضاً: الكنس والدلك والتمليس لأن كلاًّ منها ترد فيه اليد إلى قريب من مكانها فيشبه الإحاطة ولو بالتعويج.

السابقالتالي
2 3