الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } * { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } * { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } * { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }

ولما كان ذكر هذه الآية السماوية على سبيل الفرض في الجواب عن إنكارهم النبوة، دليلاً على مرودهم على الكفر، وكان من المعلوم أن ثبوت النبوة مترتب على ثبوت الوحدانية، توقع السامع الفَهِم الإخبارَ عما له تعالى من الآيات المحققة الوجود المشاهدة الدالة على قدرته، فأتبعها بذلك استدلالاً على وحدانيته بما له من المصنوعات شرحاً لقولهوليعلموا أنما هو إله واحد } [ إبراهيم: 52] ودليلاً على عدم إيمانهم بالخوارق، وابتدأ بالسماويات لظهورها لكل أحد وشرفها وظهور أنها من الخوارق بعدم ملابستها والوصول إليها، فقال مفتتحاً بحرف التوقع: { ولقد حعلنا } أي بما لنا من العظمة التي لا يقدر عليها سوانا مما هو مغنٍ عن فتح باب ونحوه { في السماء بروجاً } أي منازل للقمر، جمع برج، وهو في الأصل القصر العالي أولها الحمل وآخرها الحوت، سميت بذلك لأنها للكواكب السيارة كالمنازل لسكانها، وهي مختلفة الطبائع، فسير الشمس والقمر بكل منها يؤثر ما لا يوثره الآخر، فاختلافها في ذلك - مع أن نسبتها إلى السماء واحدة - دليل على الفاعل المختار الواحد، والعرب أعرف الناس بها وباختلافها.

ومادة " برج " بكل تقليب تدور على الظهور الملزوم للعلو الملزوم للقوة، وقد يفرط فيلزمه الضعف، فمن مطلق الظهور: بروج السماء، قال القزاز: سميت بروجاً لأنها بيوت الكواكب، فكأنها بمنزلة الحصون لها، وقيل: سميت لارتفاعها، وكل حصن مرتفع فهو برج، والبرج - أي محركاً: سعة بياض العين وصفاء سوادها، وقيل: البرج في العين هو أن يكون البياض محدقاً بالسواد، يظهر في نظر الإنسان فلا يغيب من سواد العين شيء، وتبرجت المرأة: أبدت محاسنها، والجربياء: الشمال - لعلوها، والجريب: الوادي - لظهوره، والجريب: مكيال أربعة أقفزة، وجريب الأرض معروف، وهو ساحة مربعة كل جانب منها ستون ذراعاً، ومنه الجراب - لوعاء من جلود، والجورب - للفافة الرجل، لأنهما ظاهران بالنسبة إلى ما فيهما، وكذا الجربان - لغلاف السيف، وجرب البئر: جوفها؛ والأرجاب: الأمعاء - شبهاً بالجراب؛ والبارجة: سفينة من سفن البحر تتخذ للقتال، والبجرة: كل عقدة في البطن، والعجرة: كل عقدة في الجسد، والبجرة: السرة الناتئة، وسرة البعير عظمت أولاً، والبجر والبجري: الأمر العظيم، وجاء فلان بالبجارة، وهي الداهية: وفيه ما جمع إلى الظهور القوة؛ ومن ذلك رجب: اسم شهر، ورجبت الرجل: عظمته، والرجبة من وصف الأدوية، والرجب: الحياء والعفو، والرجب: الهيبة؛ والمجرب: الذي بلي بالشدائد؛ ورجبت النخل ترجيباً: بنيت من جانبها بناء لئلا يسقط؛ والجبر: خلاف الكسر، والملك - لوجود الجبر به لقوته، وجبرت العظم، والجبارة: ما يوضع على الكسر لينجبر، وجبرت الرجل: أحسنت إليه، وأجبرته: ضممته إلى ما يريد، وأجبرته على كذا: قهرته عليه، أي أزلت جبره، والجيرية: العانة من الحمير، وهي أيضاً الأقوياء من الناس، والجبار من النخل: الطويل الفتي، والجبار اسم من أسماء الله تعالى، والجبار: كل عات، وكل ما فات اليد، والعظيم القوي الطويل، والمتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقاً والمتجبر: الأسد، وجبار بالضم مخففاً: يوم الثلاثاء - لأن الله تعالى خلق المكروه فيه - كما في الصحيح، ومن الضعف: الجبار - بالضم مخففاً، وهو الهدر من الدماء والحروب وغيرها، وقد يكون من جبر الكسر، لأنه جبر به المهدر عنه وقوي به وأحسن إليه، وكل ما أفسد وأهلك فهو جبار - كأنه شبه بالجبيرة التي تفسد لإصلاح الكسر، والجبر: العبد - لضعفه واحتياجه إلى التقوية؛ ومن الضعف أيضاً الجرب بالنسبة إلى من يحل به، وهو من القوة بالنسبة إلى نفسه، ومن الظهور والانتشار أيضاً، والجرباء: السماء - تشبيهاً بالأجرب، وأرض جرباء: مقحوطة؛ والتربج: التجبر، والروبج: درهم صغير؛ قال الزبيدي: وهو دخيل، ومادة " جبر " منها بخصوص ترتيبها تدور على النفع، وتارة تنظر إلى ما يلزمه من عدم الضر مثل الجبار بالضم مخففاً لما هدر، وتارة تنظر إلى ما يلزم النفع من التكبر والقهر.

السابقالتالي
2 3 4