الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ }

ولما كانت دعوة الأمر واضحة السبل جلية المناهج في جميع كتبه، وكلها إلى الناظرين وبين دعوة الحكم بقوله: { ولله } أي الملك الأعلى { يسجد } أي يخضع وينقاد ويتذلل كما بين عند قولهولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك } [هود:119] { من في السماوات والأرض } لجميع أحكامه النافذة وأقضيته الجارية { طوعاً } والطوع: الانقياد للأمر الذي يدعى إليه من قبل النفس { وكرهاً } قال الرازي رحمه الله: والكافر في حكم الساجد وإن أباه لما به من الحاجة الداعية إلى الخضوع، واعلم أن سجود كل صنف هو تذلـله وتسخره وانقياده لما أريد له، فكل موجود جماد وحيوان عاقل وغير عاقل وروحاني وغير روحاني مسخر لأمر من له الخلق والأمر؛ وقال الشيخ محيي الدين النووي رضي الله عنه في شرح المهذب: أصله - أي السجود - الخضوع والتذلل، وكل من تذلل وخضع فقد سجد، وسجود كل موات في القرآن طاعته لما سخر له - هذا أصله في اللغة، ثم قيل لمن وضع جبهته في الأرض: سجد، لأنه غاية الخضوع.

ولما كانت الظلال مسخرة لما أراد سبحانه، لا قدرة لأحد على تغيير ذلك بوجه، قال: { وضلالهم } أي أيضاً تسجد له بامتدادها على الأرض، تقصر تارة بارتفاع الشمس وتطول أخرى بانحطاطها، لا يقدرون على منع ظلالهم من ذلك حيث يكون لهم ظلال، وذلك { بالغدو } جمع غداة، وهي البكرة: أول النهار { والآصال * } جمع أصيل، دائماً في جميع البلاد، وفي وسط النهار في بعض البلاد؛ والظل: ستر الشخص ما بإزائه، والفيء: الذي يرجع بعد ذهاب ضوئه، والأصيل: العشيّ ما بين العصر إلى المغرب - كأنه أصل الليل الذي ينشأ منه.

ومادة " صلا " - واوية ويائية مهموزة وغير مهموزة بتراكيبها الأحد عشر، وهي: صلو، صول، لصو، لوص، وصل، صلي، صيل، لصي، ليص، أصل، صأل - تدور على الوصالة، فالصلاة وصلة بين العبد وربه سواء كانت دعاء أو استغفاراً أو رحمة أو حسن الثناء من الله على رسوله، أو ذات الأركان، وصلوات اليهود لمتعبداتهم من ذلك في الأصل، والصلا: وسط الظهر منا، أو من كل ذي أربع، أو ما انحدر من الوركين، أو الفرجة بين الجاعرة والذنب - يجوز أن يكون من ذلك، لأنه يقرب من غيره من الأعضاء إذا انثنى الحيوان، ويجوز أن يكون شبه بالعود المعوج الذي يقوم بإصلائه النار، وأصلت الناقة وصليت - إذا استرخى صلواها لقرب نتاجها، والمصلّي من خيل الحلبة: الذي يجيء على إثر السابق، فإنه يواصله، وصلى الحمار أتنه: طردها وقحمها الطريق - فكأنه بذلك قومها بعد أن كانت معوجة، أو أراد مواصلتها؛ صال الرجل صولة - إذا سطا واستطال، لأن ذلك مواصلة على وجه القهر والغلبة، وكذا صال الفحل على الإبل - إذا قاتلها، والعير - إذا حمل على العانة فشلها، وصال على كذا: وثب، وصاوله: واثبه، والتصويل: إخراجك الشيء بالماء، لأن ذلك سبب الخلوص، وإذا خلص الشيء تواصلت أجزاؤه، لأن ذلك المخرج كان حائلاً بينها، والتصويل - أيضاً: كنس نواحي البيدر، لأنه سبب لتواصل ما كان متفرقاً، ومن ذلك المصول - كمنبر: شيء ينقع فيه الحنظل لتذهب مرارته، وبهاء: المكنسة، والصيلة - بالكسر: عقدة العذبة - لتواصل محل العقد بعضه ببعض وبه يتماسك اتصال بعض العمامة ببعض، والجراد يصول في مشواه، من التصويل، أي يساط، بمعنى يخلط بالتقليب فيتواصل منه ما كان متفرقاً، وصال يصيل - لغة في يصول، وصيل له - كذا بالكسر: قيض وأتيح، لأنه صار مقارناً له، ولصوت الرجل عبته وقذفته - لأنك وصلت به العيب، وفلان لا يلصو إلى ريبة، أي لا ينضمُّ إليها ولا ينضاف؛ واللوص: اللمح من خلل باب ونحوه كالملاوصة - كأنه وصلة بالنظر من موضع غير معهود، أو لأنه سبب الوصلة إلى ما يراد، ولاوص: نظر كأنه يختل ليروم أمراً، والشجرة: أراد أن يقطعها بالفأس، فلاوص في نظره يمنة ويسرة كيف يأتيها وكيف يضربها - لأن حاصل ذلك المواصلة على وجه الشدة كما تقدم في صال عليه، وتلوص: تلوى وتقلب، ومنه أليص - أي أرعش، وألاصه على الشيء: أداره عليه وأراده منه - كأنه طلب منه مواصلته، واللواص - كسحاب: الفالوذ كالملوص كمعظم، والعسل الصافي - لأنه أهل للمواصلة، ولوص: أكل، واللوص: وجع الأذن والنحر، واللوصة؛ وجع الظهر - كأنه لشدته لا مواصل للبدن سواه، ولاص: حاد - أي سلب الوصلة؛ والوصلة - التي هي مدار المادة وكأنها الحقيقة التي تشعبت منها فروعها - هي الضم وهي التئام الشيء بالشيء، وكل ما اتصل بشيء فالذي بينهما وصلة، وضدها الفرقة، والوصل: ضد القطع، والأوصال المفاصل ومجتمع العظام، لأنها موضع اتصال العظم بالآخر، والوصلان - بالكسر والضم: طبقاً الظهر، ويقال: هما العجز والفخذ، والوصيلة: الشاة تلد ذكراً ثم تلد أنثى، فتصل أخاها، وفيها خلاف كثير كله يدور على الوصلة، ووصل الشيء بالشيء: لأمه، ووصل الشيء وإلى الشي: بلغه وانتهى إليه، وأوصله واتصل: لم ينقطع، ووصله وواصله - كلاهما يكون في عفاف الحب ودعارته، والوصائل جمع وصيلة - لثياب حمر مخططة يمنية يتخذها الناس دروعاً يشق من جانبيها، كأنه لأنها توصل بغيرها أو يقطع بعضها ثم يوصل بها لتصير دروعاً، والوصيلة: العمارة والخصب والرفقة والسيف - لأن ذلك أهل لأن يوصل، والوصيلة: كبة الغزل لشدة التباس بعضها ببعض، والأرض الواسعة - لأن اتصالها لم يحل بينه جبال، وليلة الوصل: آخر ليالي الشهر، لأنها تصل بين الشهرين، وحرف الوصل: الذي بعد الروي - لأنه وصل حركة حرف الروي، ووصيلك: من يدخل ويخرج معك، وتَصِلُ: بئر ببلاد هذيل، واتصل الرجل - إذا انتسب، لأنه وصل نفسه بمن انتسب إليهم، والموصول: دابة كالدبر تلسع الناس، كأنه من السلب؛ وصليت اللحم: شويته - لأنك وصلته بالنار، وصليته: ألقيته في النار للإحراق، والصلاء - ككساء: الشواء أو النار كالصلى فيهما، وكأن منه: صلّىعصاه على النار، أي أحماها ليقومها - لأن كلاًّ منهما وصله بالنار للإصلاح، وأصليته النار: أدخلته إياها وأثويته فيها، وصلى يده بالنار: سخنها - لأنه وصلها بها، وصلي النار - كرضي: قاسى حرها، وصليت فلاناً: درايته وخاتلته وخدعته - كل ذلك لإرادة مواصلته لأمر، والصلاية - ويهمز: الجبهة، لكثرة مباشرتها الأرض في الصلاة، ومدق الطيب - لمواصلة الدق، وصليت للصيد تصلية - إذا نصبت له شركاً ليقع فيه فتصل إليه، ومنه الحديث " إن للشيطان مصالي وفخوخاً " جمع مصلاة وفخ، والصليان - بكسر ثم تشديد - قال في مختصر العين: نبت معروف، وقال القزاز: وهو شجر له جعثن ضخم، ربما جرد وسطه ونبت ما حوله، وهو من أفضل المراعي وهو خبز الإبل، وقيل: إن الخيل تأكله ولونه أصهب - انتهى.

السابقالتالي
2