الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

ولما كان هذا موضع أن يقال: لأيّ غرض يكون ذلك؟ قالوا في جوابه: { أرسله معنا غداً } إلى مرعانا، إن ترسله معنا { يرتع } أي نأكل ونشرب في الريف ونتسع في الخصب { ويلعب } أي نعمل ما تشتهي الأنفس من المباحات تاركين الجد، وهو كل ما فيه كلفة ومشقة، فإن ذلك له سار { وإنا له لحافظون * } أي بليغون في الحفظ؛ قال أبو حيان: وانتصب { غداً } على الظرف، وهو ظرف مستقبل يطلق على اليوم الذي يلي يومك وعلى الزمن المستقبل من غير تقييد، وأصل غد غدو، فحذفت لامه - أنتهى. فكأنه قيل: ماذا قال لهم؟ فقيل: { قال } ما زاد صدورهم توغراً لأن ما قالوه له هو بحيث يسر به لسرور يوسف عليه الصلاة والسلام به { إني ليحزنني } أي حزناً ظاهراً محققاً - بما أشار إليه إظهار النون وإثباته لام الابتداء { أن تذهبوا به } أي يتجدد الذهاب به مطلقاً - لأني لا أطيق فراقه - ولا لحظة، وفتح لهم باباً يحتجون به عند فعل المراد بقوله جامعاً بين مشقتي الباطن، والبلاء - كما قالوا - مؤكل بالمنطق: { وأخاف } أي إذا ذهبتم به واشتغلتم بما ذكرتم { أن يأكله الذئب } أي هذا النوع كأنه كان كثيراً بأرضهم { وأنتم عنه } أي خاصة { غافلين * } أي عريقون في الغفلة لإقبالكم على ما يهمكم من مصالح الرعي؛ والحزن: ألم القلب مما كان من فراق المحبوب، ويعظم إذا مان فراقه إلى ما يبغض؛ والأكل: تقطيع الطعام بالمضغ الذي بعده البلع؛ فكأنه قيل: إن تلقيهم لمثل هذا لعجب، فماذا قالوا؟ فقيل: { قالوا } مجيبين عن الثاني بما يلين الأب لإرساله، مؤكدين ليطيب خاطره، دالين على القسم بلامه: { لئن أكله الذئب ونحن } أي والحال أنا { عصبة } أي أشداء تعصب بعضنا لبعض؛ وأجابوا القسم بما أغنى عن جواب الشرط: { إنا إذاً } أي إذا كان هذا { لخاسرون * } أي كاملون في الخسارة لأنا إذا ضيعنا أخانا فنحن لما سواه من أموالنا أشد تضييعاً؛ وأعرضوا عن جواب الأول لأنه لا يكون إلا بما يوغر صدره ويعرف منه أنهم من تقديمه في الحب على غاية من الحسد لا توصف، وأقله أن يقولوا: ما وجه الشح بفراقه يوماً والسماح بفراقنا كل يوم، وذلك مما يحول بينهم وبين المراد، فكأنه قيل: إن هذا الكيد عظيم وخطب جسيم، فما فعل أبوهم؟ فقيل: أجابهم إلى سؤلهم فأرسله معهم { فلما ذهبوا } ملصقين ذهابهم { به وأجمعوا } أي كلهم، وأجمع كل واحد منهم بأن عزم عزماً صادقاً؛ والإجماع على الفعل: العزم عليه باجتماع الدواعي كلها { أن يجعلوه } والجعل: إيجاد ما به يصير الشيء على خلاف ما كان عليه، ونظيره التصيير والعمل { في غيابت الجب } فعلوا ذلك من غير مانع، ولكن لما كان هذا الجواب في غاية الوضوح لدلالة الحال عليه ترك لأنهم إذا أجمعوا عليه علم أنهم لا مانع لهم منه؛ ثم عطف على هذا الجواب المحذوف لكونه في قوة الملفوظ قوله: { وأوحينا } أي بما لنا من العظمة { إليه } أي إلى يوسف عليه الصلاة والسلام.

السابقالتالي
2