الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } * { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } * { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ }

ولما تم الذي كان من أمرهم على هذا الوجه الأحكم والصراط الأقوم من ابتدائه إلى انتهائه، قال مشيراً إلى أنه دليل كاف في تصحيح دعوى النبوة مخاطباً لمن لا يفهم هذا الحق فهمه غيره، مسلياً له مثبتاً لفؤاده وشارحاً لصدره، منبهاً على أنه مما ينبغي السؤال عنه: { ذلك } أي النبأ العالي الرتبة الذي قصصناه قصاً يعجز البلغاء من حملته ورواته فكيف بغيرهم { من أنباء الغيب } أي أخباره التي لها شأن عظيم { نوحيه إليك } وعبر بصيغة المضارع تصويراً لحال الإيحاء الشريف وإشارة إلى أنه لا يزال معه يكشف له ما يريد { و } الحال أنك { ما كنت لديهم } أي عند إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام في هذا النبأ الغريب جداً { إذ } أي حين { أجمعوا أمرهم } على رأي واحد في إلقاء يوسف عليه الصلاة والسلام في الجب بعد أن كان مقسماً { وهم يمكرون * } أي يدبرون الأذى في خفية، من المكر وهو القتل - لتعرف ذلك بالمشاهدة، وانتفاء تعلمك لذلك من بشر مثل انتفاء كونك لديهم في ذلك الحين، ومن المحقق لدى كل ذي لب أنه لا علم إلا بتعليم، فثبت أنه لا معلم لك إلا الله كما علم إخوانك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيا له من دليل جل عن مثيل، وهذا من المذهب الكلامي، وهو إيراد حجة تكون بعد تسليم المقدمات مستلزمة للمطلوب، وهو تهكم عظيم ممن كذب النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما سألت قريش واليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما نقله أبو حيان عن ابن الأنباري - عن قصة يوسف عليه الصلاة والسلام فنزلت مشروحة هذا الشرح الشافي، مبينة هذا البيان الوافي، فأمل صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك سبب إسلامهم فخالفوا تأميله، عزاه الله بقوله: { وما } أي نوحيه إليك على هذا الوجه المقتضي لإيمانهم والحال أنه ما { أكثر الناس } أي كلهم مع ذلك لأجل ما لهم من الاضطراب { ولو حرصت } أي على إيمانهم { بمؤمنين * } أي بمخلصين في إيمانهم واصفين الله بما يليق به من التنزه عن شوائب النقص، فلا تظن أنهم يؤمنون لإنزال ما يقترحون من الآيات، أو لترك ما يغيظهم من الإنذار؛ والكثير - قال الرماني: العدة الزائدة على مقدار غيرها، والأكثر: القسم الزائد على القسم الآخر من الجملة، ونقيضه الأقل؛ والناس: جماعة الإنسان، وهو من ناس ينوس - إذا تحرك يمنياً وشمالاً من نفسه لا بجر غيره.

ولما ذكر تعالى ما هم عليه من الكفر، ذكر ما يعجب معه منه فقال: { وما } أي هم على ذلك والحال أن موجب إيمانهم موجود، وذلك أنك - مع دعائهم إلى الطريق الأقوم وإيتانك عليه بأوضح الدلائل ما { تسئلهم عليه } أي هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك، وأعرق في النفي فقال: { من أجر } حتى يكون سؤالك سبباً لأن يتهموك أو يقولوا: لولا أنزل عليه كنز ليستغني به عن سؤالنا.

السابقالتالي
2