الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } * { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } * { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } * { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }

ولما كان المقصود من القرآن دعوة العباد إلى المعبود، وكان المدعو إلى شيء أحوج ما يكون إلى معرفته، وكان التعريف تارة للذات وتارة للصفات وتارة للأفعال، وكانت هذه الأمة - أشرف الأمم لأن نبيها أعلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكان هي الختام، أشبع الكلام في تعريفه سبحانه في القرآن، وأنهى البيان في ذلك إلى حد لا مزيد عليه ولم يقاربه في ذلك كتاب من الكتب السالفة، ولكنه لما كان الكبير إذا تناهى كبره عزت معرفة ذاته، وكان الله تعالى هو الأكبر مطلقاً، وكانت معرفة ذاته - كما أشار إليه الغزالي في الجواهر، والفخر الرازي في كتبه - أضيق ما يكون مجالاً وأعسره مقالاً، وأعصاه على الفكر منالاً، وأبعده عن قبول الذكر استرسالاً لأن القرآن لا يشتمل من ذلك إلا على تلويحات وإشارات أكثرها رجع إلى ذكر التقديس المطلق كقوله تعالىليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [الشورى: 112] وإلى التعظيم المطلق كقوله { سبحانه وتعالى عما يصفون } فكام القياس أن يقتصر على ذلك مع التعريف بالصفات والأفعال، لكن لما كانت هذه الأمة في الذروة من حسن الأفهام مع ما نالته من الشرف، حباها سبحانه وتعالى بسورة الإخلاص كاملة ببيان لا يمكن أن تحتمل عقول البشر زيادة عليه، وذلك ببيان أنه ثابت ثباتاً لا يشبهه ثبات على وجه لا يكون لغيره أصلاً، وأنه سبحانه وتعالى منزه عن الشبيه والنظير والمكافىء والمثيل، فلا زوجة له ولا ولد، ولا حاجة بوجه إلى أحد، بل له الخلق والأمر، فهو يهلك من أراد ويسعد من شاء، فقال آمراً لنبيه صلى الله عليه وسلم ليكون أول كلمة فيها دالة على رسالته رداً على من كذبه في خاصة نفسه وعلى البراهمة القائلين: إن في العقل غنى عن الرسل. ويكون البيان جارياً على لسانه صلى الله عليه وسلم ليكون إلى فهم الخلق عنه لتلك الصفات العلى أقرب لما لهم به من المجانسة: { قل } أي يا أكرم الخلائق ومن لا يفهم عن مرسله حق الفهم سواه، وإطلاق الأمر بعدم التقييد بمقول له يفهم عموم الرسالة، وأن المراد كل من يمكن القول له سواء كان سائلاً عن ذلك بالفعل أو بالقوة حثاً على استحضار - ما لرب هذا الدين - الذي حاطه هذه الحياطة ورباه هذه التربية - من العظمة والجلال، والكبرياء والكمال، ففي الإطلاق المشير إلى التعميم رد على من أقر بإرساله صلى الله عليه وسلم إلى العرب خاصة، ويدل على أن مقول القول لا ضرر فيه على أحد فإن ظواهره مفهومة لكل أحد لا فتنة فيها بوجه، وإنما تأتي الفتنة عند تعمق الضال إلى ما لا - يحتمله عقله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد