الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }

ولما كان تخصيصهم نفي العزة به يفهم أن رهطه عليهم أعزة، أنكر عليهم ذلك في سياق مهدد لهم فقال تعالى حاكياً عنه استئنافاً: { قال } أي شعيب { يا قوم } ولم يخل الأمر من جذب واستعطاف بذكر الرحم العاطفة { أرهطي } أي أقاربي الأقربون منكم { أعز عليكم من الله } أي المحيط بكل شيء علماً وقدرةً حتى نظرتم إليهم فيّ لقرابتي منهم ولم تنظروا إلى الله في قربي منه بما ظهر عليّ من كرامته { واتخذتموه } أي بما كلفتم به أنفسكم مما هو خلاف الفطرة الأولى { وراءكم } أي أعرضتم عنه إعراض من جعل الشيء وراءه؛ وحقق معنى الوراء بقوله: { ظهرياً } أي جعلتموه كالشيء الغائب عنكم المنسي عندكم الذي لا يعبأ به، ولم تراقبوه فيّ لنسبتي إليه بالرسالة والعبودية.

ولما كان معنى الكلام لأجل الإنكار: إنكم عكستم في الفعل فلم تعرفوا الحق لأهله إذ كان ينبغي لكم أن لا تنسوا الله بل تراقبوه في كل أموركم، حسن تعليل هذا المفهوم بقوله: { إن ربي } أي المحسن إليّ؛ ولما كان المراد المبالغة في إحاطة علمه تعالى بأعمالهم قدم قوله: { بما تعملون محيط* } من جليل وحقير، فهو مقتدر في كل فعل من أفعالكم على إنفاذه وإبطاله، فهو محيط بكم لا يرده عن نصرتي منكم والإيقاع بكم مراعاة أحد لعزة ولا قوة، بل لكم عنده أجل هو مؤخركم إليه لأنه لا يخشى الفوت؛ والاتخاذ: أخذ الشيء لأمر يستمر في المستأنف كاتخاذ البيت؛ والمحيط: المدير على الشيء كالحائط يحصره بحيث لا يفوته منه شيء.

ولما ختم الآية بتهديدهم بما بين أن تهديدهم له عدم لا يبالي به، أتبعه ما يصدقه من أنه ليس بتارك شيئاً من عمله مما جبلوا به، وزاد في التهديد فقال: { ويا قوم اعملوا } أي أوقعوا العمل لكل ما تريدون قارين مستعلين { على مكانتكم } أي حالكم الذي تتمكنون به من العمل { إني عامل } على ما صار لي مكانة، أي حالاً أتمكن به من العمل لا أنفك عنه ما أنا عامل من تحذيري لمن كفر وتبشيري لمن آمن وقيامي بكل ما أوجب عليّ الملك غير هائب لكم ولا خائف منكم ولا طامع في مؤالفتكم ولا معتمد على سواه.

ولما كانت ملازمتهم لأعمالهم سبباً لوقوع العذاب المتوعد به ووقوعه سبباً للعلم بمن يخزي لمن يعلم أي هذين الأمرين يراد، ذكره بعد هذا التهديد فحسن حذف الفاء من قوله: { سوف تعلمون* } أي بوعد لا خلف فيه وإن تأخر زمانه، وسوقه مساق الجواب لمن كأنه قال: ما المراد بهذا الأمر بالعمل المبالغ قبل في النهي عنه؟ وقد تقدم في قصة نوح عليه السلام ما يوضحه.

السابقالتالي
2