الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } * { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }

ولما تقدم قولهم { ما يحبسه } كان كأنه قيل في الرد عليهم: نحن قادرون على تعجيله، وهو - كما أشرنا إليه في هذه الآية - عندنا متى شئنا في غاية السهولة: { وما نؤخره } أي اليوم أو الجزاء مع ما لنا من العظمة والقدرة التامة على إيجاده لشيء من الأشياء { إلا لأجل } أي لأجل انتهاء أجل { معدود* } سبق في الأزل تقديره ممن لا يبدل القول لديه وكل شيء في حكمه، فهو لا يخشى الفوت؛ ومادة " أجل " بتراكيبها الأربعة: أجل وجأل وجلأ ولجأ تدور على المدة المضروبة للشيء، فالأجل - محركة: مدة الشيء وغاية الوقت في الموت وحلول الدين من تسمية الجزء باسم الكل، والتأجيل: تحديد الأجل، ويلزمه التأخير، ومنه أجل الشيء كفرح - إذا تأخر، والآجلة: الآخرة، وأجل الشيء - بالفتح: حبسه ومنعه، لأن الأجل حابس ومانع للمؤجل، ومنه أجلى كجمزى، وهو مرعى لهم معروف كأنه لحسنه يحبس الراعي فيه، وأجل الشر عليهم: حناه وأثاره وهيجه،ولأهله: كسب وجمع واحتال، لأن ذلك كله من لوازم ذي الأجل، أو المعنى أنه أوجد أجل ذلك، وكمقعد ومعظم: مستنفع الماء، لأنه محيط به إحاطة الأجل بالمؤجل، وأجله فيه تأجيلاً: جمعه فتأجل، والمأجل: الحوض يحبس فيه الماء، وأجلوا ما لهم: حبسوه في المرعى، والاجل - بالكسر: قطيع من بقر الوحش، تشبيهاً له في اجتماعه من حيث إنه أحصن له بالأجل لأنه - كما قيل - حصن حصين، والاجل - بالكسر أيضاً: وجع في العنق، لأنه من أسباب حلول الأجل، وأجله: داواه منه، وبالضم جمع أجيل للمتأخر وللمجتمع من الطين يجعل حول النخلة، لإحاطته بها إحاطة الأجل وتحصينه لها، وتأجل القوم: تجمعوا، لأن التجمع أحصن لهم، وأجل - بفتحتين ثم سكون: جواب كنعم وزناً ومعنى إلا أنه أحسن منه في التصديق، ونعم منه في الاستفهام، وحقيقة ذلك الإخبار بأن أجل - أي وقت - ذلك الفعل الموجب أو المستفهم عنه قد حضر، وفعلت ذلك من أجلك - من غير " من " - ومن أجلك، ومن أجلاك ومن أجلالك ويكسر في الكل، أي من جللك - قاله في القاموس، وقال في فصل الجيم: وفعلته من جلك - بالضم - وجلالك وجللك - محركة - وتجلتك وإجلالك - بالكسر، ومن أجل إجلالك ومن أجلك بمعنى - انتهى. وحقيقته أن فعلي مبتدىء من أجلك - بالتحريك، أو تكون " من " سببية، اي أجلك سبب فيه، ولولا وجودك ما فعلته فهو لتعظيمك؛ والملجأ واللجأ - محركة: المعقل والملاذ، كأنه شبه بالأجل، ومنه لجأ إليه - كمنع وفرح: لاذ، وألجأ أمره إلى الله: أسنده، وألجأ فلاناً إلى كذا: اضطره، والتلجئة: الإكراه، واللجأ - محركاً: الضفدع، لالتجائها إلى الماء؛ ومن ذلك الجيأل - كصقيل، وجيأل وجيألة ممنوعين، وجيل بلا همز كله اسم الضبع لكثرة لجائها إلى وجارها، ومنه جئل - كفرح - جألاناً: عرج، كأنه تشبيه بمشيتها، لأن من أسمائها العرجاء، أو تشبيه بمشية الراقي في درج الملجأ، أي الحصن، وكذا الأجل - كقنب وقبر - وهو ذكر الأوعال، لأن قرونه كالحصن له، وجيألة الجرح: غثيثه، وهو مرية، لأنه من أسباب قرب الأجل، وكذا الاجئلال - أي الفزع - ربما كان سبباً لذلك، وربما كان سبباً للمبادرة إلى الحصن، وجأل - كمنع: ذهب وجاء، والصوف: جمعه واجتمع - لازم متعد، كله من لوازم الأجل بمعنى المدة، وجلأ بالرجل - كمنع: صرعته، وبثوبه: رماه، كأنه جعله في قوة من حضر أجله، وإن شئت قلت في ضبط ذلك: إن المادة - مع دورانها على المدة - تارة تنظر إلى نفس المدة، وتارة إلى آخرها، وتارة إلى امتدادها وتأخرها، وتارة إلى ما يدني منه، وتارة إلى منفعتها، وتارة إلى ما يلزم فيها، فمن النظر إلى نفس المدة: التأجيل بمعنى تحديد الأجل، وهو مدة الشيء، وفعلت هذا من أجلك، أي لولا وجودك ما فعلته، وأجل بمعنى نعم، أي حضرت مدة الفعل، ومن النظر إلى الآخر: دنا الأجل - في الموت والدّين، ومن النظر إلى التأخر: أجل الشيء - إذا تأخر، والآجلة: الآخرة، ومن النظر إلى السبب المدني: الأجل - بالكسر - لوجع في العنق، وجيألة الجرح - لغثيثه أي مريه، وجلأ بالرجل: صرعه وبثوبه: رماه، وأجل الشر عليهم: جناه، أو أثاره وهيجه، والاجئلال: الفزع، ومن النظر إلى المنفعة وهي أن التأجيل الذي هو تحديد الأجل للشيء مانع من أخذه دون ما ضرب له من المدة: الاجل - بالكسر - للقطيع من بقر الوحش، وأجل الشيء: حبسه ومنعه، وأجلى كجمزي: مرعي لهم معروف، وتأجل القوم: تجمعوا، وجأل الصوف جمعه، واللجأ والملجأ: المعقل والملاذ، والضفدع للزومها ملجأها من الماء، والجيأل للضبع للزومها وجارها، ولذلك تسمى أم عامر، وجئل - كفرح: عرج، كأنه شبه بمشيتها لأنها تسمى العرجاء، والأجل كقنب وقبر - لذكر الأوعال، لتحصنه بقرونه، والأجل - بالضم: المجتمع من الطين يجعل حول النخلة، والمآجل: الحوض يحبس فيه الماء، ومستنقع الماء مطلقاً، وأجله تأجيلاً: جمعه، ومن النظر إلى ما يلزم في المدة: أجل لأهله: كسب وجمع وجلب واحتال، وجأل - كمنع: جاء وذهب؛ فقد تبين أن المراد بالأجل هنا الحين.

السابقالتالي
2 3 4