الرئيسية - التفاسير


* تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } * { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } * { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ }

ولما لم يكن شبهة على ادعاء الولد لله سبحانه ولا لهم اطلاع عليه بوجه، ساق قوله: { قالوا اتخذ } أي تكلف الأخذ بالتسبب على ما نعهد { الله } أي المسمى بهذا الاسم الذي يقتضي تسميته به أن يكون له الكمال كله، فلا يكون محتاجاً إلى شيء بوجه { ولداً } مساق البيان لقوله { إن يتبعون إلاّ الظن } وهذا صالح لأن يكون تعجيباً ممن ادعى في الملائكة أو عزير أو المسيح وغيرهم.

ولما عجب منهم في ذلك لمنافاته بما يدل عليه من النقص لما ثبت لله تعالى من الكمال كما مرّ، نزه نفسه الشريفة عنه فقال: { سبحانه } أي تنزه عن كل شائبة نقص التنزه كله؛ ثم علل تنزهه عنه وبينه بقوله: { هو } أي وحده { الغني } أي عن الولد وغيره لأنه فرد منزه عن الإبعاض والأجزاء والمجانسة؛ ثم بين غناه بقوله: { له ما في السماوات } ولما كان سياق الاستدلال يقتضي التأكيد، أعاد " ما " فقال: { وما في الأرض } من صامت وناطق، فهو غني بالملك ذلك عن أن يكون شيء منه ولداً له لأن الولد لا يملك، وعدم ملكه نقص مناف للغنى، ولعله عبر بـ " ما " لأن الغني محط نظره الصامت مع شمولها للناطق.

ولما بين بالبرهان القاطع والدليل الباهر الساطع امتناع أن يكون له ولد، بكتهم بنفي أن يكون لهم بذلك نوع حجة فقال: { إن } أي ما { عندكم } وأغرق في النفي فقال: { من سلطان } أي حجة { بهذا } أي الاتخاذ، وسميت الحجة سلطاناً لاعتلاء يد المتمسك بها؛ ثم زادهم بها تبكيتاً بالإنكار عليهم بقوله: { أتقولون } أي على سبيل التكرير { على الله } أي الملك الأعظم على سبيل الاستعلاء { ما لا تعلمون } لأن ما لا برهان عليه في الأصول فهو جهل، فكيف بما قام الدليل على خلافه؛ والسلطان: البرهان القاهر لأنه يتسلط به على صحة الأمر ويقهر به الخصم، وأصله القاهر للرعية بعقد الولاية.

ولما قدم أن قولهم كذب، وبكتهم عليه مواجهة، أتبعه بما يشير إلى أنهم أهل للإعراض في سياق مهدد على الكذب، فقال معرضاً عن خطابهم مؤكداً لأن اجتراءهم على ذلك دال على التكذيب بالمؤاخذة عليه: { قل } أي للذين ادعوا الولد لله وحرموا ما رزقهم من السائبة ونحوها { إن الذين يفترون } أي يتعمدون { على الله } أي الملك الأعلى { الكذب لا يفلحون } ثم بين عدم الفلاح بقوله: { متاع } أي لهم، ونكره إشارة إلى قلته كما قال في الآية الأخرى { متاع قليل } وأكد ذلك بقوله: { في الدنيا } لأنها دار ارتحال، وما كان إلى زوال وتلاش واضمحلال كان قليلاً وإن تباعد مدّه وتطاولت مُدَده وجل مَدَده، وزاد على الحصر عَدده؛ وبين حالهم بعد النقلة بقوله: { ثم } أي بعد ذلك الإملاء لهم وإن طال { إلينا } أي على ما لنا من العظمة لا إلى غيرنا { مرجعهم } بالموت فنذيقهم عذاباً شديداً لكنه دون عذاب الآخرة { ثم نذيقهم } يوم القيامة { العذاب الشديد بما } أي بسبب ما { كانوا } أي كوناً هو جبلة لهم { يكفرون } ووجب كسر " إن " بعد القول لأنه حكاية عما يستأنف الإخبار به كما فعل في لام الابتداء لذلك.

السابقالتالي
2 3 4