الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } * { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } * { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } * { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا }

قوله تعالى: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا }. " إذّا " شرط، وجوابه " تُحدِّثُ " ، وهو النَّاصب لها عند الجمهور.

وجوَّز أبو البقاء أن يكون العامل فيها مصدراً.

وغيره يجعل العامل فيها ما بعدها، وإن كان معمولاً لها بالإضافة تقديراً، واختاره مكي، وجعل ذلك نظير " من وما " ، يعني أنهما يعملان فيما بعدهما الجزم، وما بعدهما يعمل فيهما النصب، ولو مثل بـ " أي " لكان أوضح.

وقيل: العامل فيها مقدر، أي: يحشرون.

وقيل: اذكر، وحينئذ يخرج عن الظرفية والشرط.

فصل في المناسبة بين أول هذه السورة وآخر السورة المتقدمة

وجه المناسبة بين أول هذه السُّورة وآخر السورة المتقدمة، أنه تعالى لما قال: { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } فكأن المكلف قال: ومتى يكون ذلك؟.

فقيل له: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ } فالعاملون كلهم يكونون في الخوف، وأنت في ذلك الوقت تنال جزاءك، وتكون آمناً، لقوله تعالى:وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ } [النمل: 89].

وقيل: لما ذكر في السُّورة المتقدمة وعيد الكافر ووعد المؤمن أراد أن يزيد في وعيد الكافر، فقال: أجازيه، حتى يقول الكافر السابق ذكره: ما للأرض تزلزلت، نظيرهيَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106]، فذكر سبحانه الطائفتين، وذكر ما لكل طائفةٍ، ثم جمع بينهما في آخر السورة بذكر الذرة من الخير، فإن قيل: " إذَا " للوقت، فكيف وجه البداية بها في السورة؟ الجواب: أنهم كانوا يسألونه عن الساعة، فقال تعالى: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } فإنه تعالى يقول: لا سبيل إلى تعيينها بحسب وقتها، ولكن أعينه بحسب علاماته، أو أنه تعالى أراد أن يخبر المكلف أن الأرض تتحدث وتشهد يوم القيامة مع أنها في هذه الساعة جماد، فكأنه لما قيل: متى يكون ذلك؟ قال تعالى: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ }.

فصل في معنى الزلزلة

روى عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يقول: النفخة الأولى تزلزلها، وهو قول مجاهد، لقوله تعالى:يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } [النازعات: 6، 7]، ثم تزلزل ثانية، فتخرج موتاها، وهي الأثقال، وذكر المصدر للتأكيد، ثم أضيف إلى الأرض، كقولك: لأعطينَّكَ عطيتك، أي: عطيتي لك، وحسن ذلك لموافقة رءوس الآي بعدها.

وهو مصدر مضاف لفاعله، والمعنى زلزالها الذي تستحق ويقتضيه عظمها.

قال الزمخشري: " ونحوه قولك: أكرم التقي إكرامه، وأهن الفاسق إهانته ".

قرأ الجمهور: " زِلْزالهَا " بكسر الزاي، والجحدري وعيسى: بفتحها.

قيل: هما مصدران بمعنى.

وقيل: المكسور مصدر، والمفتوح اسم، قاله الزمخشري. وليس في الأبنية " فعلال " يعني غالباً، وإلا فقد ورد: ناقة جزعال.

قال القرطبيُّ: " والزَّلزال - بالفتح - مصدر، كالوسواس، والقلقال والجرْجَار ".

السابقالتالي
2 3 4