الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } * { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } * { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } * { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

قوله تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ، أي: القرآن، أضمر للعلم به { فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } يجوز أن يكون ظرفاً للإنزال، والقرآن كله كالسورة الواحدة، وقال تعالى:شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } [البقرة: 185]، وقال:إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [الدخان: 3] يريد: ليلة القدر.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: نزل به جبريل - عليه السلام - جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا إلى بيت العزة، وأملاه جبريل على السَّفرةِ، ثم كان جبريل ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً، وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة.

حكى الماورديُّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: نزل القرآنُ في شهر رمضان، وفي ليلة القدر، وفي ليلة مباركة، جملة واحدة من عند الله، من اللوح المحفوظ إلى السَّفرة الكرام الكاتبين في سماء الدنيا، فنجمته السَّفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل، ليس بين جبريل - عليه السَّلام - وبين الله واسطة، ولا بين جبريل محمد - عليهما السلام - واسطة.

وقيل: المعنى أنزل في شأنها وفضلها، فليست ظرفاً، وإنما كقول عمر - رضي الله عنه -: خشيت أن ينزل فيَّ قرآن، وقول عائشة - رضي الله عنها -: لأنا أحقر في نفسي أن ينزل فيّ قرآن.

وسميت ليلة القدر بذلك؛ لأن الله يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السَّنة القابلة من أمر الموت، والأجل، والرزق، وغيره، ويسلمه إلى مدبرات الأمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل، عليهم السلام.

وعن ابن عباس أيضاً: أن الله يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر، وأما تضييقها بالملائكة قال الخليل: لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة؛ كقوله تعالى:وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [الطلاق: 7].

وقيل: سميت بذلك لعظمها، وشرفها، وقدرها، من قولهم: لفلان قدر: أي شرف ومنزلة. قاله الزهري: وقيل: سميت بذلك لأن للطاعة فيها قدراً عظيماً، وثواباً جزيلاً.

وقيل: لأنه أنزل فيها كتاباً ذا قدر على رسول ذي قدر على أمه ذاتِ قدر، والقدر: مصدر، والمراد ما يمضيه الله تعالى من الأمور، قال الله تعالى:إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 49]، وهو بمعنى القدر، إلا أنه بالتسكين، مصدر، وبالفتح اسم.

قوله: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } بين فضلها، وعظمها، وفضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر، جميع الدهر، لأن العرب تذكر الألف، لا تريد حقيقتها، وإنما تريد المبالغة في الكثرة، كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5