الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } * { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } * { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } * { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }

قوله تعالى: { ٱقْرَأْ } ، العامة، على سكون الهمزة، أمر من القراءة، وقرأ عاصم في رواية الأعشى: براء مفتوحة، وكأنه قلب تلك الهمزة ألفاً، كقولهم: قرأ، يقرأ، نحو: سعى، يسعى، فلما أمر منه، قيل: " اقر " بحذف الألف قياساً على حذفها من " اسع ".

وهذا على حد قول زهير: [الطويل]
5253-.............................   وإلاَّ يُبْـدَ بالـظُّلْـمِ يَظْـلِـمِ
وقد تقدم تحرير هذا.

قوله: { بِٱسْمِ رَبِّكَ } ، يجوز فيه أوجه:

أحدها: ان تكون الباء للحال، أي: اقرأ مفتتحاً باسم ربِّك قل: بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ، قاله الزمخشريُّ.

الثاني: أن الباء مزيدة، والتقدير: اقرأ باسم ربك، كقوله: [البسيط]
5254-............................   سُودُ المَحاجرِ لا يَقْرأنَ بالسُّورِ
قيل: الاسم فضلة أي اذكر ربك، قالهما أبو عبيدة.

الثالث: أن الباء للاستعانة، والمفعول محذوف، تقديره: اقرأ ما يوحى إليك مستعيناً باسم ربِّك.

الرابع: أنها بمعنى " عَلَى " ، أي: اقرأ على اسم ربِّك، كما في قوله تعالى:وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ } [هود: 41]، قاله الأخفش.

[وقد تقدم في أول الكتاب كيف هذا الفعل على الجار والمجرور، وقدر متأخراً في " بسم الله الرحمن الرحيم " وتخريج الناس له، فأغنى عن الإعادة].

فصل

قال أكثرُ المفسرين: هذه السورة أول ما نزل من القرآنِ، نزل بها جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم على " حِرَاء " ، فعلمه خمس آياتٍ من هذه السورة.

وقال جابر بن عبد الله: أول ما نزل:يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } [المدثر: 1].

وقال أبو ميسرة الهمذاني: أول ما نزل فاتحة الكتاب.

وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: أول ما نزل من القرآن:قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [الأنعام: 151].

قال القرطبيُّ: " الصحيح الأول ".

قالت عائشة - رضي الله عنها -: أول ما بدئ به صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة، فجاءه الملك، فقال: { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } ، خرجه البخاري.

وروت عائشةُ - رضي الله عنها - أنها أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعدها " ن، والقلم " ثم بعدهايٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } [المدثر: 1]، ثم بعدها " والضُّحَى " ، ذكره الماوردي.

ومعنى قوله: " اقْرَأ " أي: ما أنزل عليك من القرآن مفتتحاً باسم ربك وهو أن تذكر التسمية في ابتداء كلِّ سورةٍ، أو اقرأ على اسم ربِّك، على ما تقدم من الإعراب.

قوله: { ٱلَّذِي خَلَقَ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } ، يجوز أن يكون " خَلَقَ " الثاني تفسيراً لـ " خَلَقَ " الأول، يعني أبهمه أولاً، ثم فسره ثانياً بـ " خَلَقَ الإنْسَانَ " تفخيماً لخلق الإنسانِ، ويجوز أن يكون حذف المفعول من الأول، تقديره: خلق كلَّ شيء؛ لأنه مطلق، فيتناول كُلَّ مخلوقٍ، وقوله: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } تخصيص له بالذكر من بين ما يتناوله الخلق، لأنه المنزَّل إليه، ويجوز أن يكون تأكيداً لفظياً، فيكون قد أكد الصفة وحدها، كقولك: الذي قام قام زيد.

السابقالتالي
2 3