الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } * { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } * { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } * { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } * { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } * { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }

قوله تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } ، الاستفهام إذا دخل على النفي قرره، فصار المعنى: قد شرحنا، ولذلك عطف عليه الماضي، ومثله:أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ } [الشعراء: 18]، والعامة: على جزم الحاء بـ " لَمْ ".

وقرأ أبو جعفر المنصور: بفتحها.

فقال الزمخشري: وقالوا: لعلَّهُ بين الحاء، وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها.

وقال ابن عطية: إن الأصل: " ألَمْ نَشْرحَنْ " بالنون الخفية، ثم أبدلها ألفاً ثم حذفها تخفيفاً كما أنشد أبو زيد: [الرجز]
5245- مِنْ أيِّ يَوميَّ مِنَ المَوْتِ أَفِرْ   أيَـوْمَ لَـمْ يقْـدرَ أمْ يَـوْمَ قُـدِرْ
بفتح راء: " يقدر " وكقوله: [المنسرح]
5246- إضْرِبَ عَنْكَ الهُمُومَ طَارقهَا   ضَرْبكَ بالسَّيْفِ قَوْنسَ الفَرسِ
بفتح باء " اضرب " انتهى. وهذا مبني على جواز توكيد المجزوم بـ " لم " ، وهو قليل جداً، كقوله: [الرجز]
5247- يَحْسبهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلمَا   شَيْخـاً عَلـى كُرْسيِّـهِ مُعَمَّمَـا
فتتركب هذه القراءة من ثلاثة أصول كلها ضعيفة، لأن توكيد المجزوم بـ " لَمْ " ضعيف، وإبدالها ألفاً إنما هو في الوقف، فاجراء الوصل مجرى الوقف خلاف الأصل، وحذف الألف ضعيف؛ لأنه خلاف الأصل.

وخرجه أبو حيان على لغة خرجها اللحياني في " نوادره " عن بعض العرب، وهو أن الجزم بـ " لَنْ " والنصب بـ " لَمْ " عمس المعروف عند الناس، وجعله أحسن مما تقدم.

وأنشد قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار تطلب ثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما وعن بقية الصحابة أجمعين: [البسيط]
5248- قَدْ كَان سُمْكُ الهُدَى يَنْهَدُّ   قَائمهُ حتَّى أبِيحَ لـهُ المُختـارُ فانْغَمَدَا
فِـي كُـلِّ مـا هَمَّ أمْضَـى رأيـهُ قُدُمـاً   ولَـمْ يُشـاوِرَ فـي إقْـدامـهِ أحَـدَا
[بنصب راء " يشاور " ، وجعله محتمل للتخريجين. وشرح الصدر: فتحه؛ أي ألم تفتح صدرك للإسلام.

وقال ابن عباس: ألم تلين قلبك وعن الحسن في قوله: ألم نشرح، وقال مكي: حلماً وعلماً].

وشرح الصدر: فتحه: روي أن جبريل - عليه السلام - أتاه وشق صدره، وأخرج قلبه، وغسله وأنقاه من المعاصي، ثم ملأه علماً، وإيماناً، ووضعه في صدره، وطعن القاضي في هذه الرواية من وجوه:

أحدها: أن هذه الواقعة إنما وقعت حال صغرهِ صلى الله عليه وسلم وذلك من المعجزات فلا يجوز أن يتقدم بثبوته.

وثانيها: أن تأثير الغسل في إزالة الأجسام، والمعاصي ليست بإجرام فلم يؤثر الغسل فيها.

وثالثها: أنه لا يصح أن يملأ القلب علماً، بل الله تبارك وتعالى يخلق فيه العلوم.

وأجيب عن الأول: بأن تقديم المعجزات على زمان البعثة جائز، وهو المسمى بالإرهاص، ومثله في حق الرسول صلى الله عليه وسلم كثير.

وعن الثاني، والثالث: لا يبعد أن يكون حصول ذلك الدم الأسود الذي غسلوه من قلب الرسول - عليه الصلاة والسلام - ميل القلب إلى المعاصي وإحجامه عن الطاعات، فإذا أزالوه عنه كان ذلك علامة لمواظبة صاحبه على الطاعات، واحترازه عن السيئات، فكان ذلك، كالعلامة للملائكة على عصمة صاحبه.

السابقالتالي
2 3 4 5